جعفر الشايب
التطورات المتلاحقة في اليمن، من فراغ سياسي، وعدم توافق بين القوى المختلفة، وبدء التوجه لخيار المواجهة المسلحة والتهديد بها، والاستقواء بدول الخارج كلها مؤشرات خطيرة تدل على تحول مختلف في مسار الوضع في اليمن، قد يقود إلى حرب أهلية وبالتالي تدخل إقليمي فيه.
بهذه الصورة بدأت أحداث سوريا، من مطالبة بإصلاح سياسي قوبلت بتعنت من النظام الحاكم، وتطورت إلى أن بلغت اللجوء إلى العنف من الطرفين، وتحولت إلى ساحة صراع بين القوى الإقليمية التي رأت فيها ساحة لتصفية حساباتها.
نتائج ذلك بالطبع هي الخسائر الفادحة التي تكبدها السوريون أنفسهم كمئات الآلاف من الضحايا البشرية وتشريد اللاجئين في كل مكان، وانعدام الأمن، وغياب سلطة الدولة ومؤسساتها، وتحول المجتمع السوري المتعايش إلى جماعات متناحرة. كل هذه الأضرار الجسيمة لا يمكن بأي حال من الأحوال تعويضها ومعالجتها.
كان بالإمكان تقليص هذه الأضرار البشرية والمادية، لو توجهت الأطراف المتصارعة لمنهج التفاوض والحوار والمصالحة الوطنية، حتى لو كان على حساب مصالحهم الحزبية والفئوية. كما أن الاستعانة بقوى خارجية وإقليمية وجدت أمامها فرصة للتدخل، كان من أسوأ ما أضر السوريين في أقلمة وتدويل قضيتهم الداخلية وشأنهم المحلي.
ولو أن أياً من القوى الوطنية السورية راجعت مواقفها الآن، لعلها رأت في أن تشددها في المراحل الأولى الناتج من اعتقادها بأنها كانت قادرة على حسم الصراع لصالحها، لم يكن موقفا حكيما، حيث إن ما خسره الوطن أكبر بكثير مما كسبته أي جهة أو فئة. وهي ذات الحال التي مر بها العراق في صراع مختلف القوى السياسية فيه.
المشهد ذاته يتكرر الآن في اليمن مع اختلاف بعض التفاصيل، فأي من القوى السياسية الفاعلة مهما بلغت قوتها وتأثيرها، لن يكون بمقدورها منفردة بلوغ حل وطني مرضي عنه ومقبول من جميع الأطراف، مع أن ذلك الخيار قد يبدو مغريا لبعضهم خاصة من يمتلك القوة في هذا الظرف.
الانفلات الأمني سيقود إلى مزيد من أعمال العنف والعنف المضاد، وسيهيئ مدخلا مناسبا للأطراف الخارجية كي تتدخل بشكل مباشر في أوضاع اليمن المفتوحة أكثر من أي بلد عربي آخر. فالقوى الإقليمية تسعى ليكون لها دور فيما يجري في اليمن، وبعضهم بدأ يصرح بصورة واضحة حول تقسيم اليمن مستقبلا.
لعل في وعي أبناء اليمن وتجربتهم السياسية الطويلة، وفي دراسة التجارب المحيطة بهم خلال الـ 4 سنوات الماضية، والانعكاس السلبي للتدخلات الخارجية في الشأن المحلي ما يجعل الفاعلين السياسيين في اليمن أكثر قدرة وحنكة من الانجرار في متاهات التناحر وتصفية الحسابات بينهم.
جريمة الجمعة الماضية التي راح ضحيتها مئات من المصلين الأبرياء، هي إنذار خطر للجميع، فقد تتبعها أعمال عنف شبيهة أو أكثر شدة وسعة، وما نسمعه من تأييد من قبل بعض المتشددين لهذا العمل الإجرامي، لشاهد على أن المعركة قد تطول بين مختلف المتصارعين.
/صحيفة الشرق السعودية/