د.شمسان بن عبد الله المناعي
لم يكن الأمن الخليجي مهددا من الخارج كما هو عليه اليوم، النيروز الإيراني الذي يأتي في فصل الشتاء كشر عن أنيابه تجاه دول الخليج العربي، وما كان بالأمس مجرد تخمين أصبح اليوم مشهدا وواقعا وحقيقة واضحة لا لبس فيها، خاصة بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء، لدرجة أن أصبح مطار صنعاء يستقبل الطائرات الإيرانية لنقل المساعدات «الإنسانية لنصرة المظلومين في اليمن»! بلا رقيب ولا حسيب. أصبح الأمن الخليجي محاصرا بين تهديدين مصدرهما واحد وهو إيران، ولكنهما مقبلان من جهتين؛ تهديد مقبل من العراق بعد تدخل إيران الصريح بحجة محاربة «داعش»، وهي التي كانت بالأمس ترفض الاشتراك مع التحالف الدولي، واليوم تدعم الميليشيات الشيعية في العراق جهارا نهارا وجنرالات إيران يصولون ويجولون في العراق ويعدون الخطط العسكرية لا بغرض تخليص العراق من الدواعش ولكن لغرض في نفس يعقوب! والتهديد الآخر مصدره الحوثيون في صنعاء الذين يتلقون الدعم من إيران، والذين أصبحوا يحشدون قواتهم استعدادا لحرب عدن التي سوف تحسم الموقف إما للأحزاب اليمنية أو للحوثيين.
إن الدور الإيراني في اليمن لم يعد منحصرا في الغرف المغلقة ومقتصرا على أجهزة الاستخبارات، بل تجسد بشكل علني عبر دعم الحوثيين وجعلهم مرآتهم الوحيدة داخل المشهد اليمني، وهو ما يبين جنوح طهران نحو تأجيج الصراع وجره إلى منحى طائفي ديني، قوامه نشر التشيع ودعم الجماعات الشيعية بغية كسب رصيد جديد وعيون مطيعة في حراكها المستمر لضرب استقرار المنطقة والهيمنة على العالم العربي والإسلامي. لذلك ترمي إيران بكل ثقلها السياسي والاستخباراتي إلى تقوية ساعد جماعة الحوثي وقلب موازين القوى فوق الأرض لصالحه. ونحن هنا في الخليج العربي لا نزال نتحدث عن اتفاقية الشراكة اليمنية والشرعية والمبادرة الخليجية! يا لها من مفارقات؛ هم ينفذون على الواقع خططهم، ونحن نتحدث عن اليمن الموحد في لقاءاتنا.
المطلوب من العرب في هذه الفترة تحقيق التوازن في القوة بين الشمال والجنوب، وهذا ما أشار إليه الأمين العام لجامعة الدول العربية عندما طالب ببناء قوة عسكرية عربية، وإن جاء هذا المطلب متأخرا، فإنه يأتي أفضل من ألا يأتي، عندما قال في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة: نحن بحاجة إلى تحالف عربي - عربي لمواجهة إيران، بعد أن بلغ السيل الزبى. عربدة إيران تجاوزت الحدود من سوريا إلى لبنان واليمن والعراق.. ومن يدري من يكون غدا؟ لا تعتقد دولة عربية أنها بعيدة عن الخطر الإيراني لأنها تحارب بأخطر الأسلحة، وهو سلاح العقيدة والمذهبية، وهو سلاح يمكن تمريره على العامة من الناس!
الدعم الإيراني للحوثيين لا يقتصر على الرغبة في تحقيق مصالح داخلية سواء كانت سياسية أو طائفية أو أمنية، بل لها أبعاد استراتيجية إقليمية تتمحور أساسا في محاولة إيران كسب ورقة ضغط جديدة في مواجهة دول الخليج، خاصة أن اليمن يمثل العمق الاستراتيجي والبشري لمنطقة الخليج عامة، والحديقة الخلفية للمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص. هاجس التوسع الحوثي في اليمن سيجبر دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، على وضع الخطوط الحمراء أمام التكلف الإيراني المفرط داخل المنطقة برمتها، خاصة أن كل محاولاتها السابقة في ضرب استقرار دول الخليج باءت بالفشل، وخرجت منها خالية الوفاض.
إيران معركتها لمد نفوذها في اليمن بالنسبة لها معركة مصير، لأنها تكون بذلك قد اقتربت من إنجاز مشروعها السياسي والحلم الذي ظل يداعب حكام الملالي منذ بداية الثورة الخمينية، وهو مشروع الهلال الشيعي، لأنها بعد ذلك لن يبقى لها إلا دول الخليج العربي التي سوف تكون لقمة سائغة في فم النيروز الإيراني، وعندما يحصحص الحق فسوف تتنصل أميركا من كل اتفاقياتها والتزاماتها مع دول الخليج العربي والسعودية، خاصة أن لنا مع أميركا تجربة مريرة أثناء غزوها للعراق، حيث تركت النظام الإيراني يعربد في العراق بعد سقوط صدام ويمول الجماعات المارقة في البحرين واليمن، وأهم من كل ذلك يتجاهل دخول الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله» إلى سوريا لإنقاذ النظام هناك! إن كل ما نشهده الآن هو نتائج للغزو الأميركي للعراق عام 2003.
جاء في الحديث الشريف: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين»؛ فهل يا ترى نلدغ في عقر دارنا نحن أهل الخليج اللدغة الثانية بعد أن لدغ أهل اليمن اللدغة الأولى؟.
* نقلا عن الشرق الأوسط