كلمة صحيفة اليوم السعودية
الموقف الخليجي الموحد من الأزمة اليمنية، وبما تضمنه من انفتاح مطلق في الحوار مع كافة الفرقاء السياسيين في اليمن، مع التأكيد على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، واستجابة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - لمطلب الرئيس اليمني لأن تكون الرياض هي مقر هذا الحوار، تحت مظلة مجلس التعاون، كامتداد طبيعي للمبادرة الخليجية التي يعلق عليها غالبية اليمنيين كل الآمال لإخراج بلادهم من أزمتها، هذا الموقف المتعقل والمتزن، والذي لم يستجب لمحاولات الحوثيين لجر دول المجلس لردود الأفعال، بتلك الحشود الاستفزازية على الحدود السعودية، يؤكد على عمق رؤية دول الخليج، وحرصها على اليمن ووحدته، وسلامة أمنه وسيادته، مثلما يؤكد في نفس المقام على قدرة هذه المنظومة على الحفاظ على أمنها، والتصدي لأي محاولة طائشة لاستفزازها أو جرها إلى مواجهات جانبية بغية صرف الأنظار عن مخرجات ذلك الانقلاب الذي قام به الحوثيون ومن يقف وراءهم، وأدى إلى اختطاف اليمن من قبل فصيل واحد.
وهذا ما يستدعي من الوسيط الدولي جمال بن عمر إن كان يريد فعلا أقرب الطرق الموصلة لإنجاح مهمته أن يسعى بجد لعقد هذا الحوار في الرياض، وتحت المظلة الخليجية، لأنه لا يوجد أي مكان آخر أكثر عناية بالشأن اليمني من مقر المجلس الذي يرتبط جيوسياسيا مع اليمن، ويستطيع بالتالي أن يؤثر ويتأثر بهذه القضية سلبا أو إيجابا، وحينما تفتح الرياض الباب أمام الحوثيين وجماعة الرئيس السابق على الرغم من كل محاولات الاستفزاز التي تعرضت لها من هذه الأطراف، فهذا يعني أنها تعمل بلغة العقل الذي يتكابر على كل الصغائر، ويريد أن ينتصر لليمن بكل قواه وفصائله وشرائحه بعيدا عن حسابات الـ «مع» والـ «ضد»، لأن دول المجلس تعي تماما أن عدم الاستقرار في اليمن، وبقاءه مختطفا من قبل فئة واحدة لن يكون من شأنه إلا تمزيق وحدة هذا البلد، وإدخاله في أتون الحرب الأهلية لا سمح الله، وهو ما تسعى دول مجلس التعاون لتفاديه، صيانة لهذا البلد الشقيق، وحماية لأمنها الإقليمي، ثم قطع الطريق على أولئك المتسللين الذين يسعون لإقامة امبراطورياتهم الوهمية على أنقاض الشعوب الأخرى، بعد أن يضعوها ويضعوا مستقبل سيادتها في فم الحريق، وتحت ألسنة لهيب النزاعات الدامية.
وهروب الجانب الحوثي إلى هذه الحركات الاستفزازية مع دول المجلس، يجب ألا يحظى بجائزة الاستجابة لرغباتهم في تحديد مقر آخر للحوار غير الرياض، لأنه لو حدث ذلك فإن أهم أطراف المشكلة، سيستقبل رسالة خاطئة من الموفد الأممي بأن المنظمة الأممية تمنحه وتمنح انقلابه الشرعية، وهذا ما سينسف كل مقومات الحوار، باتجاه التوصل إلى اتفاق جامع يشترك فيه كل اليمنيين، ويفضي إلى حكومة وفاق وطني شاملة، قادرة على جمع اليمنيين بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم تحت مظلة كلمة سواء، تحفظ لليمن أمنه وسلامته وسيادته على أراضيه، وتجنبه أوضار الخلاف والاختلاف.
ولا نعتقد بعد هذا الموقف الخليجي الناضج والواضح، أن يكون هنالك مدخل لأي عاقل لأن يشكك في مصداقية مجلس التعاون في أخذ اليمن بعيدا عن الاصطفاف، إلى المكانة التي تشرع له كل أبواب المستقبل، وتنقذه من واقعه الذي سيدخله الأنفاق المظلمة في ظل احتلال العاصمة، واختطاف مؤسسات الدولة، إذ لا أحد غير الخليجيين الذين طالما دعموا اليمن وفي مختلف الظروف، قادر على إعادة الأمن والاستقرار إلى ربوعه، وهم الذين سمَوْا عن كل الصغائر، وأعلنوا ترحيب عاصمة التعاون الخليجي على فتح ذراعيها لكافة الفرقاء اليمنيين حتى من أخطأ منهم، ليعيدوا توجيه بوصلة اليمن إلى مسارها الصحيح، بعيدا عن تربصات الآخرين واستغلال الأزمة اليمنية لبناء امبراطورية الأوهام.