علي العمري
يؤكد الراصدون للميدان اليمني أنه منذ أسبوع قد بدأت تهبط في مطار صنعاء طائرات إيرانية بمعدل طائرتين في اليوم، وأنه وصلت في ذات التوقيت سفينتان قادمتان من روسيا.
ولسائل أن يسأل ما الحاجة لهذا العدد اليومي من هبوط الطائرات بين صنعاء وطهران، وهل راكبوها بهذه الكثافة؟ ثم هل باتت الملاحة بين روسيا وصنعاء بهذا العلن والأمان أمام عين السفارة الأمريكية وحكومة الظل؟!
ولأن "السياسة ليست حفلة شاي" كما يصف د.عبدالله النفيسي؛ فإننا معنيون بالعودة لحديث الراصدين للميدان، وترك التحليل للمختصين.
لقد بات مكشوفاً أن خطةً مبيتةً كانت تنتظر صِدام الحوثي بالإصلاحي قبل أشهر؛ لينتج عنه تكتيك قديم جديد في الحُكْم، وأن هذه الخطة ندب مخططوها حظهم عندما انسحب الإصلاح من المعركة المفتعلة، وكان قد جهز وقتها ما لا يقل عن عشرين ألف مقاتل.
أدرك الإصلاح أن الأمر بُيت بليل، وأن الرئاسة اليمنية ماطلت، ثم خادعت في كشف مشروع الحوثي الذي نزل بسلام لأرض صنعاء ومعه المدرعات، وتحايا كبار الضباط!
لا شك أنه قبل هذه الخاتمة الدرامية السريعة تكاملت خيوط ووثائق المسرحية التي ستظهر يوماً ما في عالم (شاهد على العصر!!).
نتجاوز هذه المرحلة التي ستتكشف عبر الفضائيات، وكالعادة.... قريباً؛ لنتابع ما يقوله الراصدون اليوم.
الحوثي بأجهزته وامتداداته بلع صنعاء، وافترس مواردها رغم قلتها.
اللافت للنظر في المشهد هو الوضوح التام من قيادات الحوثي في خطاب توجههم نحو مكة والمدينة؛ مما يعني وضوح الخطاب العقدي السياسي (الصفوي) من جديد، وكأن التاريخ يعيد نفسه.
إن كثافة الملاحة الجوية والبحرية إلى صنعاء وموانيها لم يعد خافياً أنه عبارة عن مجموعة من حمولات بشرية وعُددية يربط بينهما (السلاح والتدريب على السلاح!!).
ففي الرحلات الجوية اليومية ضباط من الحرس الثوري، وفي الرحلات البحرية "بارجات" وعتاد ثقيل.
ماذا يعني هذا؟
إنه يعني دخول المرحلة الجديدة بتمكين الفصيل الحوثي في صنعاء، وإطالة خيار التفاوضات من الجهات المتابعة والمهتمة، مع وعورتها في ردهات العقل الحوثي!
نعم، هناك من يقول إن الطريق طويل لهذا التمكن التام، وإن القوى الخارجية المعنية بالملف قد لا تسمح لهذه النتيجة؛ لكن هذا الاحتمال رغم وروده يجب ألا يُنسينا أن دولة كبيرة كإيران باتت في الميدان، وتجربتها في العراق ولبنان وسوريا ماثلة للعيان.
ثم إن التفاؤل المجرد عن عمل يجب أن يكون مكافئاً لما يقوم به الطرف الطامع هو أقرب للجنون، والمشكلة أن تجارب مماثلة ومعاصرة تكررت فيها لغة التفاؤلات المجردة؛ فكان العلقم أشد مرارة.
وعليه؛ ففي الأفق احتمالات:
?- أن يبادر الثوريون الأصليون بمن فيهم القوة الكبرى (الإصلاح) وبدعم خليجي وغربي نسبي لدخول صنعاء، بعقلية منظمة وقدرة مكافئة، وتخطيط أوسع، وهو خيار مكلف، وممكن، ونتيجته بحول الله لو تحالف الجميع أقوى وأمضى، طالما أن قوة الحوثي تظل محدودة، وإمداداته ما زالت أولية، والأظفار الآثمة التي نشبت في الأرض الطاهرة يمكن قصها قبل أن تصبح أوتاداً ثابتة، وقبل أن تتحول المليشيات إلى جيش منظم ذي تدريب احترافي على يد إيران.
لكن يبقى السؤال: هل أميركا سترفع يدها بعدما صبغتها في إناء الدم الإيراني والحوثي؟
أو أن الكلفة المادية للانسحاب مربحة؟!
ثم هل البديل الإصلاحي أو من في فلكه لو تمكن، هل ثمة وسيلة لترويضه والسيطرة عليه؟!
هذه أسئلة تتضمنها تفصيلات، والتعليق عليها بيد المحللين.
?- أن ينتظر الإصلاح وفصائل الثوار ما سيعرضه الحلفاء داخلياً وخارجياً، وهذا الانتظار قد يؤدي لاحتمالين:
أ- خسارة صنعاء فترة أطول وخسارة الإعداد والأعداد؛ لأن طول الانتظار محرقة في عالم السيطرة والنفوذ.
وهي ربما تعني المزيد من الشتات النفسي، وشتات الإعداد، واضمحلال البقاء التاريخي.
وقد يكون هذا مرجواً لجهات ما.
ب- وجود فرص حقيقية (عسكرية وإسنادية) إما نسبية وهي إن لم تنفع كثيراً فلن تضر، وإما أن تكون جادة وبلا شروط تعجيزية؛ فحينها سيتأكد الجميع من معنى نداء الأبطال الثوار عبر تاريخ اليمن:
قُلْنَا وأَصْغَى السَّامِعُونَ طَويلا
خَلُّوا المَنَابِرَ للسُّيوفِ قَلِيلا
وهو الشاهد الحكيم نفسه الذي قاله حكيم اليمن المجاهد الزبيري:
خَرَجْنَا من السِّجْنِ شُمَّ الأُنُوف
كما تَخْرُجُ الأُسْدُ من غَابِهَا
وإنه والله لسجن أُريد للأحرار، على أن تتحكم طغمة تمتص رحيق المستضعفين، ولكن الله تعالى غالب على أمره، والحكمة والقوة كفتان في ميزان النصر، وأهل اليمن الصادقون على وعي يبشِّر، ونكاد نجزم بعمق الإيمان في نفوسهم واستعلائه في طريقهم، وأن نزعاتهم التخطيطية لدى مجموعهم تعصم من مَيل، وهم في محنة تتطلب نصيراً يدعو بحرقة، ويدعم بقوة، ويرجو لهم وهو يعرف تاريخهم وما أرادوه من نجاح خطتهم في بلادهم، التي يقولون فيها مثل قول العنسي اليمني:
إنَّ الحياة سعادةٌ ومحبةٌ
أو شنقَ مظلومٍ وهتكَ كرامةٍ
إنَّ الحياةَ تقدمٌ وتحضُّرٌ
لا سلبَ أحرارٍ وكبتَ شعورِ
أو سحقَ أخلاقٍ وفعلَ نكيرِ
ورخَاءُ عيشٍ وانتظامُ أمورِ
والعنسيُّ نفسه حين رأى تواضع حشد المسلمين في نهار (عرفة) بلباسهم الأبيض عادت له ذكرى الثورة والحريَّة؛ فطفق يخاطب يوم العمق الإيماني:
عرفاتُ حَقّاً لو تمعّنَ حَاكِمٌ
لدرى بأنّ الظلمَ أكبرُ مِعْوَلٍ
وتَنَكُّرٌ للآدميةِ صارخٌ
ما فيكِ من حِكمٍ ومن تذكيرِ
للهدمِ، للتخريبِ، للتدميرِ
ودليلُ نقصٍ فاضحٍ وقصورِ
لكن فرج الله قادم، ولا بد للسيوف يوماً: (أن تقر في الأغماد).