د. حسناء القنيعير
اعتادت إيران منذ القدم على التعاون مع المستعمرين مثل البرتغاليين والفرنسيين والبريطانيين ضد دول العرب والمسلمين مما لا مجال للحديث عنه هنا، وكلنا نعلم أنها تعاونت مع أمريكا في العراق، حتى أصبحت اليوم أشبه بمحتلة له، مما لا يختلف كثيراً عمّا في لبنان وسورية وجزء من اليمن، بمساعدة القوى العميلة في تلك الدول لتنفيذ مخططاتها، خصوصاً استهداف العرب السنة، بغطاء جوي أمريكي لإبادتهم في العراق وسورية. ويندرج هذا الموقف العدواني في إطار مخطط طائفي عنصري توسعي تجاه كل المنطقة العربية بلا استثناء.
"جمع العداء لتنظيم داعش في العراق وسورية بين الأمريكيين والإيرانيين بطريقة لم تكن واردة حتى وقت قريب، وبعد نجاح التنظيم في التوسع شمال العراق، باتت الولايات المتحدة وإيران تنظران إليه بصفته عدواً مشتركاً تنبغي مواجهته بإمكانات مشتركة، مما يضع فكرة العداء التقليدي بين البلدين محل امتحان سياسي ودبلوماسي يمس التحالفات والعداوات المألوفة في المنطقة" . والسؤال الذي يطرح هاهنا هو: أليست داعش كما يجمع كثيرون صنيعة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية وإسرائيل وإيران؟ إذن فهذا التحالف الاستراتيجي بين أمريكا وإيران لحرب داعش ليس إلا الجزء الباقي من المخطط، لتسليم إيران زمام القيادة في المنطقة، ثمناً لإيقاف برنامجها النووي وإن بشكل موقت. وقد أدى هذا التحالف إلى خشية دول المنطقة العربية من أن تطلق أمريكا يد إيران فيها، ما يؤدي بالضرورة إلى تغيير المعادلات التقليدية في منطقة الشرق الأوسط، بحيث يكون الأمر أبعد من القضاء على داعش، الذي يهدف فيما يهدف إلى تحقيق توازن بين الشيعة، والسنة الذين يشكلون أغلبية في المنطقة.
ولم تنجح التطمينات الأميركية التي حملها وزير الخارجية جون كيري للمنطقة من تبديد المخاوف من الطريقة التي تدير بها إدارة أوباما ملف الأزمات في المنطقة العربية، إذ ترغب في توسيع إطار التعاون مع إيران وتركيا لحسم الملفات العالقة، في مرحلة ما بعد التوصل إلى اتفاق نووي، لاسيما أن تحركات أمريكا مازالت لا تعكس تفهماً دقيقاً لقلق دول الخليج العربي الذي لا يقف عند حد الاتفاق النووي مع طهران، ولكن يمتد أيضا ليشمل الخطوات المتسارعة التي تنتهجها إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة بدعم أميركي، خصوصاً في حال الانتصار على داعش.
وتتقاطع هذه المخاوف مع الخطاب غير المسبوق الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأمريكي الثلاثاء الماضي، الذي ركز فيه على مفاوضات الملف النووي الإيراني، معتبراً أن الاتفاق الذي يجري التفاوض عليه بين إدارة الرئيس باراك أوباما وإيران هو "اتفاق سيئ جداً، ونحن أفضل حالاً من دونه، لأنه لن يمنع إيران من امتلاك سلاح ذري"، ما يعني أن نتنياهو كان يهدف إلى محاصرة الرئيس الأمريكي ومنعه من التحرك بحرية في المفاوضات النووية مع إيران.
فيما سارع أوباما إلى الرد على نتنياهو بقوله: "إنه لم يشاهد الخطاب لكنه قرأ النص ولم يَر فيه جديداً، لأن رئيس الحكومة الإسرائيلية لم يقدم أي بدائل مجدية لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي" ! فما البديل في نظر أوباما؟ أليس ما تسعى إليه إيران منذ سنوات وهو إطلاق يدها في باقي منطقتنا العربية، كما تفعل في العراق ولبنان وسورية واليمن، وهو الثمن الذي لن يتوانى أوباما عن دفعه لها، وذلك كي يحقق مجداً شخصياً له على حساب أمن واستقرار ومصالح أهل المنطقة كلهم!
ثمة أمر يجمع إيران وإسرائيل، وهو عداؤهما للعرب وللسلام، ورفضهما تقديم أي تنازل لصالح العرب سواء في الأحواز والجزر الإماراتية، أو في فلسطين، وهو موقف ناجم عن نظرة عنصرية واستعلائية، وموقف استعماري. فلا يخفى أن إيران يسودها شعور فوقي وعنصري، إذ لا تعد نفسها دولة لكل مواطنيها
تمنى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يشجع خطابه نواب الكونغرس في التصويت على تشريع يجبر الإدارة على نيل تفويض من النواب قبل توقيع أي اتفاق مع إيران، أو نسف هذا الاتفاق بالكامل، وسرعان ما استجاب النواب الجمهوريون لذلك، حيث بادروا في طلب التصويت الثلاثاء المقبل على مشروع قرار يجبر الرئيس أوباما على نيل تفويض من الكونغرس قبل المصادقة على أي اتفاق نووي مع طهران، وكان أوباما هددهم قبل أسابيع بأنه سيستعمل حق الفيتو فيما لو طالبوا بتشديد العقوبات على إيران..
ومما قاله نتنياهو:
- إن النظام الإيراني يشكل تهديداً كبيراً لإسرائيل، وللسلام في العالم بأسره، وإن إيران تسيطر اليوم على أربع عواصم شرق أوسطية، هي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، وإن الاتفاق الذي يجري التفاوض عليه بين إيران والقوى الكبرى سيُبقي إيران مع برنامج نووي واسع النطاق، ولن يمنعها من امتلاك القنبلة الذرية، وإن عدم تفكيك هيكلية برنامجها النووي، إلى جانب أن التغاضي عن تصرفاتها التوسعية الإقليمية، سيؤدي إلى سباق تسلح في المنطقة، وإنه من الخطأ تحديد عمر الاتفاق بعشر سنوات كما اقترح أوباما. ثم طالب بأن تنفذ إيران ثلاثة شروط قبل رفع أيّ عقوبات عنها، وهي: وقف التوسع في الشرق الأوسط، وإنهاء دعم الإرهاب، وإنهاء التهديدات بمحو إسرائيل. ولم يفته أن ينسب إلى إيران أعمالاً إرهابية منها: تفجير المارينز في بيروت إلى محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن! وحذر نتنياهو من الوقوع في فخ المصالحة مع إيران كونها تحارب داعش، واعتبر أن "المنافسة بينهما أي إيران وإدارة أوباما، هي على عرش قيادة التنظيمات الإسلامية المسلحة في المنطقة"!
لا ريب أن ما قاله نتنياهو هو عين الحقيقة، وهو الأمر الذي يعرفه الكبار والصغار في المنطقة العربية المتضررة من الإرهاب الإيراني، والعدوانية تجاه دول الخليج العربي على وجه الخصوص.
أميل شخصياً إلى كل ما قاله نتنياهو، وأشعر أن إسرائيل باتت مع الدول المتضررة في ذات الموضع، ما يعني مزيداً من الطمأنة لنا بأن إسرائيل بموقفها المتوجس من الاتفاقيات الأمريكية الإيرانية، سوف تصب في مصلحتنا، مادام أوباما لا يحسن التفكير ويسيء التدبير، بل أؤكد أن إيران تمثل خطورة كبرى على أوطاننا أكثر من إسرائيل، ذلك أن إسرائيل عدو واضح وأهدافه معروفة منذ احتلال فلسطين، أما إيران فتتشدق بالإسلام، وتواري طموحاتها وأهدافها التوسعية وعدوانها خلف حجب من ادعاءات وأكاذيب دينية. وبحسبة بسيطة نجد أن زمن الاحتلال الفارسي للأراضي العربية كالجزر الإماراتية أقصر من زمن احتلال إسرائيل لفلسطين، ناهيكم عن الاحتلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي لدول كالعراق وسورية ولبنان وجزء من اليمن. فأيّ الدولتين أشد خطراً على أمننا واستقرارنا ووجودنا؟ أليست ايران؟ وماذا يمكن أن تفعله فيما لو تمكنت من إكمال مشروعها النووي؟ غير أن التطرّف القومي الفارسي يتوازى مع التطرّف القومي الإسرائيلي، باعتبار اليهودية قومية، وتفسير ذلك أن ثمة جذوراً مشتركة بين هذين التطرفين الإيراني والإسرائيلي، فكلاهما تأسّس على الأسطرة التاريحية القومية (شعب الله المختار) و(أهل البيت)، ما يعني أن هذين التطرّفين يتكاملان، كذلك فإن كلاً منهما يتمحور حول الذات الفارسية والذات اليهودية، وهو تمحور يكشف عن عنصرية وحقد إزاء "الأغيار" أي العرب قاطبة.
ثمة أمر آخر يجمع إيران وإسرائيل، وهو عداؤهما للعرب وللسلام، ورفضهما تقديم أي تنازل لصالح العرب سواء في الأحواز والجزر الإماراتية، أو في فلسطين، وهو موقف ناجم عن نظرة عنصرية واستعلائية، وموقف استعماري. فلا يخفى أن إيران يسودها شعور فوقي وعنصري، إذ لا تعد نفسها دولة لكل مواطنيها (فرساً وعرباً)، وحتى أنها لا تعتبر نفسها إلا دولة للشيعة فقط على ما في ذلك من تمييز وفرز على أساس عرقي ومذهبي ضد عرب الأحواز الذين احتلت مناطقهم، وهي في كل ذلك لا تكتفي بسلب أرضهم، وإنما هي تسلبهم حقهم في الوجود والهوية، وحتى حقّهم الأخلاقي والطبيعي في التعبير عن ذاتهم وعن عروبتهم وعن مذهبهم ، فمباذا تختلف عن إسرائيل ؟ وفي جانب الاحتلال لا تحتلف أيضاً عن إسرائيل التي لا تكتفي بحرمان الفلسطينيين من أرضهم، وإنما تسلبهم حقهم في الوجود والهوية، وهذا ما يفسّر تمسك إيران باحتلال الجزر الإماراتية، وإصرارها على التدخل في شؤون الدول العربية ، بتغذية النزعة العنصرية ، وإحياء الشعور بالمظلومية لدى العرب الشيعة، والزعم بكونهم أكثرية في بعض الدول أو المناطق العربية، ذلك أنه - ومن الناحية العملية - فإن هذا التشديد على الأكثرية الشيعية، يتضمّن النزعة الفارسية في محو حقائق التاريخ، وفرض الأكاذيب الفارسية المفعمة بالأسطرة الدينية والخرافية، أي أنها تحاول إلغاء الحقائق لتبرير ادعاءاتها، بما يكفل فرض إملاءاتها وسيطرتها على المنطقة، سعيا إلى محاولة زعزعة أمن الدولة (البحرين نموذجاً) أو تغيير جغرافيتها (اليمن مثالا) ، أو احتلال الدولة سياسياً كلبنان، إذ ما زال منذ ما يقارب العام بلا رئيس جمهورية، لأن عصابة حسن نصر الشيطان التي تحتل لبنان باسم الولي الفارسي، تحول دون ذلك، وهو الأمر الذي لا مثيل له في العالم كله، حتى في جمهوريات الموز!
ختاما، أكد مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، أن الولايات المتحدة ستواصل "التصدي بحزم لأي محاولة من إيران لتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، حتى إن تم التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي" ! لكن هذا المسؤول قد لا يدرك أن إيران دولة لا تجيد شيئاً قدر إجادتها الأكاذيب والخداع والتقية، فهذا كان وما يزال دأب دولة فارس، الذي بلغ أوجه بعد أن قامت ثورة المقبور الخميني، واستمرار الملائي في السير على نهجه العدواني. يقول أحد الكتاب الإيرانيين (أمير طاهري): " يُعرف عن الملالي انتهاجهم للأساليب الملتوية من التقية (بمعنى التشويش)، والكتمان (بمعنى التصنع)، والاستتار (بمعنى الإخفاء) إذا ما أرادوا الاستسلام من دون فقدان ماء الوجه" ! وأضيف سيكون هذا حالهم فيما إذا تظاهروا بالموافقة والاستجابة لشروط أمريكا بِشأن مشروعهم النووي، لذلك فإن ما يأمله الأمريكيون من القدرة على الوقوف ضد أحلام إيران التوسعية، ومشاريعها النووية، أكثر شبها بأمل إبليس في الجنة.
حسناء القنيعير
/الرياض/