د. محمد عبدالله العوين
قامت الثورة الإسلامية الإيرانية (كما يسميها الإعلام الرسمي الإيراني) عام 1979م على مبدأ تصدير الثورة ؛ أي التمدد الطائفي والهيمنة السياسية والعسكرية.
ولا بد أن نستحضر الغاية المزدوجة التي تحققت لطائفة المعممين ظاهريا والعرقيين باطنيا من تصدوا للتهيئة للثورة على الشاه والقفز على السلطة، وغاية الغرب الذي احتضن المعممين وتبنى ثورتهم ؛ ليحقق من خلالهم مشروعا استعماريا جديدا في منطقة الشرق الأوسط ينفذ على مراحل حسب الفرص المتاحة ويهدف إلى وأد أي تطلع قومي عربي وحدوي أو يقظة دينية حقيقية قادرة على استنهاض المسلمين من رقدتهم لاستعادة حضارة إسلامية غاربة، وهو المخطط الذي تحقق جزء كبير منه بعد أن بمراحل متعددة بعد ثورة الخميني ؛ لعل من أهمها تهيئة الفرصة لزج العراق في حرب طويلة مع إيران، ثم زجه ثانية بعد أن لم تفلح الأولى في حرب ثانية مع جيرانه بعد حماقة غزوه الكويت، وهو المطب الكبير الساحق الماحق الذي جر العراق «القومي السني» للوقوع في منزلق الفناء بعد سحق قدراته العسكرية وتفكيك جيشه وتسليمه هدية جاهزة لإيران الخمينية التي بدأت في الخطوة الحقيقية للتمدد وتصدير الثورة بعد أن نجحت في الخطوة الأولى؛ وهي تأسيس جيش متكامل في قلب المنطقة، وبالتحديد في لبنان؛ وهو «حزب الله» وتزويده بالسلاح والإنفاق عليه بسخاء، وشراء الذمم الإعلامية في لبنان، والقيام بحملة تصفيات واغتيالات لمعارضي النفوذ الإيراني من سياسيين وإعلاميين وغيرهم بالتنسيق والتعاون مع النظام الطائفي المتحدر من فكر صفوي إيراني ؛ وهو نظام حافظ أسد، ثم ابنه بشار.
بات المخطط الإيراني الآن وهو في ذروة تمدده ودعم أو سكوت الغرب الذي أوجده مكشوفا ولا يحتاج إلى مزيد من التفكير أو التحليل ؛ فهل من أحد يشك أو يتردد في الحكم على أن إيران هي من تفجر المشكلات الكبرى في المنطقة لتصل إلى أهدافها البعيدة في استعادة الإمبراطورية الفارسية العظمي التي وزعت خرائطها على الملأ ولم تعد إيران تواريها عن الأنظار، وفي وسع أي مطلع أن يطلب خرائط الإمبراطورية الفارسية العظمى من محرك البحث «جوجل» ليجدها تمتد من حدود روسيا شرقا إلى أقصى المغرب العربي غربا، ومن حدود تركيا شمالا إلى المحيط الهندي جنوبا، أي أن الطموحات الإيرانية الفارسية لا تقف عند حدود الهيمنة عن طريق عميل في سوريا أو لبنان أو العراق ؛ كما هو الحال الآن ؛ بل ستتجرأ لا حقا لتضع حاكمها الفارسي على تلك المناطق وغيرها - كما تنوي لا سمح الله - في الجزيرة العربية كلها بما فيها دول الخليج، وفي تلك الدول التي كانت خاضعة في مرحلة تاريخية غاربة لحكم الفاطميين؛ كاليمن ومصر وليبيا وتونس!
ونلحظ هنا أن التمدد الإمبراطوري «فارسي إيراني» تحت غطاء إسلامي شيعي، وهو نوع من اللعب السياسي المحكم الذي يستنفر شعوراً كامنا بالاضطهاد عند طائفة تعتقد أنها عانت من ذلك قرونا طويلة ؛ فعمد المعممون الفرس وبتخطيط قديم قبل إعلان الثورة على نظام الشاه إلى الاتكاء على دعاوى نصرة آل البيت رضي الله عنهم، والانتقام ممن يعاديهم ؛ كما فعل أسلافهم المعممون من قبل ؛ حين تحالفوا مع بني العباس للثورة على بني أمية العرب الأقحاح بدوافع شعوبية خالصة، ثم سعوا إلى الهيمنة والاستفراد بالسلطة بمحاولات نجح بعضها وأخفق بعضها الآخر، كما وقع للبرامكة وقت الرشيد.
وهكذا يستفز المعممون المشاعر المذهبية العاطفية ويضربون على وتر المظلومية التاريخية المدعاة؛ للوصول إلى الغاية الكبرى؛ وهي الانتقام ممن أسقطوا الإمبراطورية الفارسية الأولى في معركة القادسية عام 15هـ بقيادة سعد بن أبي وقاص في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهنا سر كراهية الفرس لعمر واغتياله على يد أبي لؤلؤة المجوسي عام 23هـ. يتبع..
/نقلا عن صحيفة الجزيرة/