شريف قنديل
أذكر ثلاث عواصم عربية محتلة أو أربعاً ؟! بجرأة متناهية اعتبرها البعض انتصارًا، أعلن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي احتلال صنعاء، ومِن ثمَّ تسميتهَا صنعاء المحتلة! هكذا ببساطة سقطت عاصمة عربية تحت براثن الاحتلال! وبعيدًا عن الدبلوماسية، بل وعن السياسة، باعتبار أن لهما ناسهما، يقول المواطن العربي البسيط في هذا الصدد: إن المحتل الحوثي لم يكن ليَفجر كل هذا الفُجر لولا الدعم الخارجي.. في كل الأحوال تظل هذه وجهة نظر عربية، قد تكون صائبة، وقد تكون خائبة، وما أكثر الخيبات العربية!
وعلى نفس المنوال يتحدث البعض عن احتلال طرابلس ليبيا، وكأنهم يتحدّثون عن العاصمة الليبية ليس فقط أيام الطليان والاحتلال الإيطالي، وإنما أيام الإسبان! والحال نفسه، وفي المقابل يحدث في بنغازي بغضّ النظر عمَّن هو الغازي!
وقبل أيام كان البعض يتحدّث عن احتلال دمشق، وضرورة إعلانها عاصمة محتلة! وكانوا يتحدّثون كذلك عن احتلال حلب، وضرورة تحرير حلب، واحتلال الموصل، وضرورة تحرير الموصل، وفي ذلك قال المالكي -الذي غادر الحكم غير مأسوف عليه-: إن مسعود بارازاني تعاون مع داعش لاحتلال العاصمة العراقية الثانية، أو الثالثة! وبطبيعة الحال هناك مَن يعتبرون العواصم أو المدن الكردية في العراق مدنًا محتلة!
والحاصل أن العاصمة الوحيدة المحتلة في وجدان المواطن العربي ظلت حتى وقت قريب هي «القدس»، ومن أجل ذلك جاعت شعوب عربية من أجل بناء جيوشها لتحريرها، وكُتبت دواوين شعر، ومئات الروايات، والأفلام، والمسرحيات، والأغاني، والأوبريتات.
صحيحٌ أن الكويت احتلت ذات صباح على يد جيش عربي، لكن العرب جميعًا لم يناموا قبل أن يخرج الجيش العراقي.. وليته ما دخل.. فقد دخل النفق المظلم الذي لم يخرج منه حتى الآن!
أريدُ أن أقول: إن التطبيع مع مصطلح الاحتلال يمضي على قدم وساق، حيث يعلو صوت مقاومة الاحتلال في اليمن، وفي سوريا، وفي العراق، وفي ليبيا!
شيئًا فشيئًا تضيع القضية الأساسية، أو التي كانت، والمركزية أو التي كانت.. تضيع القدس إن لم تكن قد ضاعت.. وتضيع معها الثقة العربية في القدرات العربية، وفي الطاقات العربية.
سيكتب التاريخ عن تلك الحقبة من الزمن العربي، أن الجيوش العربية التي مازالت تُسمِّي كتائبها بأسماء الفاتحين «سعد بن أبي وقاص، وعقبة بن نافع، وطارق بن زياد»، انكفأت على نفسها، وتولَّت مهمّة تحرير المدن العربية من المحتل العربي!
صحيح أننا لا نطمح، بل لا نريد فتوحات جديدة، حتى لا نظلم العالم معنا بجهلنا وغطرستنا الكاذبة، لكننا لا نريد احتلالاً ليبيًّا لمدن ليبية، ويمنيًّا لمدن يمنية، وسوريًّا لمدن سورية، وعراقيًّا لمدن عراقية.
أخشى أن يكون السؤال السهل في امتحانات المرحلة المتوسطة في المدارس العربية هو: أذكر ثلاث عواصم عربية محتلة؟ وأخشى أن تكون الإجابة الخطأ التي يكون مقابلها حصول الطالب على صفر هي: «القدس»!
/نقلا عن المدينة/