الأرشيف

التناغم الإيراني الإسرائيلي للحراك المشبوه على الأرض العربية

الأرشيف
السبت ، ٠٧ مارس ٢٠١٥ الساعة ١١:٥٦ صباحاً

د. حمد بن عبد الله اللحيدان


لقد اتضح بما لا يدع مجالاً للشك ان كل من التسلح الإيراني بما في ذلك السلاح النووي والتمدد في المنطقة لم يعد خيالاً أو توقعات كما إن المعارضة الباهتة له بل ربما المتواطئة معه من قبل الدول الكبرى لا تعدو أن تكون عبارة عن ذر للرماد في العيون بما في ذلك التوجس الإسرائيلي من إيران. فالتمدد الإيراني واتساع رقعة انتشاره لم يعد يخفى على أحد. حيث شمل ذلك كلاً من العراق وسورية ولبنان واليمن وسبق ذلك إنشاء مراكز دعم وتمركز للبحرية الإيرانية في عدد من الجزر الاريتيرية في البحر الأحمر ناهيك عن احتلال الجزر الإماراتية والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج وغيرها من الدول العربية دون أن يحرك ذلك كله ما يشير إلى أن إسرائيل والغرب قد انتابهم الخوف أو الوجل على مستقبلهم في المنطقة من هذا الحراك الإيراني.

إن التناغم والتوافق والتعاون الأمريكي الإيراني ربما قد بدأ منذ وقت مبكر. وبعد أن اتضحت النوايا وكشفتها الممارسات أصبح المراقب يستطيع القول إن أمريكا كانت وراء الثورة الإيرانية والإطاحة بالشاه وذلك من خلال تخليها عنه مع إنه كان أكبر حليف لهم في المنطقة بالإضافة إلى أنهم استوعبوا توجهات الحاكمين الجدد في طهران وتبنوها خصوصاً أنها قائمة على تصدير الثورة والتمدد. وبما أن ذلك الحراك المشبوه يخدم إسرائيل فليس لدى أمريكا خيار سوى السير في ركابه على الرغم من أن ذلك لا يتوافق مع مصلحة الشعب الأمريكي العظيم.

نعم لقد قدمت إيران خدمات كبرى لأمريكا خلال غزوها لكل من أفغانستان (2001) والعراق (2003) الذي كان الغرض منه تدمير العمق الاستراتيجي للدول العربية المواجهة لإسرائيل وبالطبع لم يكن الموقف الإيراني بلا ثمن، فقد كان الثمن يتمثل بعض منه في:

القضاء على التهديد الذي كانت تواجهه إيران من الشرق ممثلاً بحكم طالبان في أفغانستان وتدمير كل التنظيمات المناوئة لها هناك والتي يمكن أن تشكل جبهة معارضة لها من الشرق يعيق حراكها في الغرب.


القضاء على خصمها اللدود المتمثل بنظام صدام حسين، ليس هذا وحسب بل تسليم مقاليد الأمور في العراق للموالين لطهران حتى أصبحت طهران الحاكم بأمره في بغداد ومن يعارض ذلك تتم تصفيته حتى استوت الأمور لهم على الجودي هناك.

وفي مقابل ذلك ضمنت إيران عدم مقاومة الشيعة للاحتلال الأمريكي للعراق ولذلك تمكنت أمريكا من بسط نفوذها بسرعة وكانت المقاومة الرئيسية من قبل أهل السنة في العراق ولهذا تتم هذه الأيام معاقبتهم من خلال زرع تنظيم داعش المجرم الذي يضم بين عناصره قتلة ومجرمين عتاولة أثبتت التسريبات الصحفية أنهم خريجو سجون ومدمنو مخدرات. ومهمة هذا التنظيم تتمثل في ثلاثة أمور الأول قتل أكبر عدد من قيادات العشائر السنية وشبابهم وتغطية ذلك بذبح بعض الرهائن دون ذنب إلا لإكمال السيناريو المرسوم. والثاني إيجاد مبرر لمحاربة المناطق السنية والقضاء على بنيتها التحتية تحت مسمى الحرب على داعش والثالث خدمة كل من أمريكا وإيران في القضاء على جذوة الحراك السني هناك تمهيداً لإنشاء الهلال الصفوي الذي يمتد من إيران إلى لبنان والذي تبذل الآن جهود حثيثة من أجل فرضه كأمر واقع على الارض. حيث يتم هذه الأيام إنشاء قوة إيرانية موازية لقوات الأسد قوامها المرتزقة المجلوبين من إيران وأفغانستان وغيرها، ناهيك عن العمل على تغيير التركيبة السكانية في المناطق السنية في كل من سورية والعراق.

مساندة تدخل إيران ودعمها لنظام الأسد يتم على ثلاثة محاور الأول عدم إدانة التدخل الإيراني في سورية إلا بالكلام والشجب والاستنكار، والثاني عدم دعم الجيش الحر الذي يسعى للاطاحة بنظام الأسد والذي تعهدوا بدعمه حتى تورط والثالث إنشاء منظمات مناهضة لنظام الأسد نظرياً وموالية له فعلياً وذلك أن تلك المنظمات بدلاً من أن تتحالف مع الجيش الحر للإطاحة بالنظام نجدها تركز اهتمامها على محاربة الجيش الحر ومنافسته ويأتي في مقدمة هؤلاء كل من داعش ومنظمة النصرة وغيرهما من التنظيمات والمرتزقة والمدسوسين.

منذ وقت مبكر تم غض الطرف عن إنشاء إيران لحزب الله في لبنان وغض الطرف عن تعاظم قوته على الرغم من أنه يتمركز على الحدود الإسرائيلية اللبنانية وقد خدع العرب بذلك الحراك بسبب أن كل تلك الأطراف استخدمت الشعارات البراقة ودقت على وتر العاطفة العربية الجياشة التي تصدق التصاريح وتتمايل مع الأغاني الوطنية ولا تبحث فيما وراء الستار. في البداية خدع حزب الله المتابعين لحراكه ولم تتضح أجندته الحقيقية وتبعيته لإيران بصورة واضحة إلا بعد اغتياله لرئيس وزراء لبنان الوطني رفيق الحريري والعمل على تعطيل الحراك اللبناني والتحكم في مفاصل الدولة هناك وحمل السلاح ضد اللبنانيين واغتيال قياداتهم الفاعلة، وأخيرا الفضيحة الكبرى المدوية له تمثلت في وقوفه إلى جانب نظام الأسد في ذبح الشعب السوري وعمله كذراع طويلة للحرس الثوري الإيراني وتعطيل انتخاب رئيس لبناني جديد إمعاناً في الهيمنة على لبنان وهذا كله بالطبع يفسر عدم معارضة قيام هذا الحزب وتسليحه وحراكه من قبل الدول الكبرى وإسرائيل إلا بعبارات الشجب والاستنكار.

نعم لو كان حزب الله مناوئاً لهم لاستغلت إسرائيل انشغال حزب الله في سورية لتصفيتة ولكنهم يدعمونه في السر ويتظاهرون بمعاداته في العلن.

إيران اليوم تتمدد في اليمن من خلال الحراك الحوثي الذي يتم بدعم مخابراتي وخيانة داخلية وتدخل خارجي وهذا بالمحصلة يعني سيطرتهم على مضيق باب المندب ومن يسيطر على باب المندب لا يحتاج إلى قنبلة نووية من أجل التحكم بالتجارة العالمية أو بالدول المستفيدة من ذلك المضيق الذي يتحكم ب(75%) من حركة التجارة بين الشرق والغرب. ومع ذلك لم تحرك لا أمريكا ولا إسرائيل ولا الدول الأوروبية رمش عين، وهذا يدل على إنهم على علم ودراية مسبقة بما سوف يؤول إليه الوضع في اليمن إن ترك للحوثيين الحبل على الغارب هناك.

إن إمكانية تحكم إيران في مضيق هرمز وتمكنها من خلال الحوثيين التحكم بمضيق باب المندب قد يضر بالتجارة العالمية إلا أن الهدف الحقيقي منه أن يشكل كماشة وحصاراً لصادرات وواردات دول الخليج بصورة عامة والمملكة بصورة خاصة ناهيك عن إضعاف دور قناة السويس وما يترتب على ذلك من أضرار وضغوط تلحق بمصر.

نعم مع التقدم الملموس في إنتاج الطاقة من مصادر غير تقليدية أصبح هاجس الاستغناء عن البترول العربي من الأولويات (هذا ما قاله الرئيس بوش الابن (2005)) ولذلك يتم تحجيم البترول العراقي وتحطيم مصادر البترول السوري وإعاقة تصدير البترول السوداني على قلته وشل إمكانيات البترول الليبي، وكذلك الوضع في اليمن من خلال إدخال تلك الدول في دوامة عدم الاستقرار والحرب الأهلية التي تقودها منظمات مشبوهة مثل داعش وأخواتها.

ولا شك أن مخطط إدخال كافة الدول العربية في هذه الدوامة يسير على قدم وساق وقد كان هناك حراك أسس للخريف العربي تمثل في حروب صدام حسين مع إيران واحتلاله الكويت وما ترتب على ذلك وكانت هناك محاولة لجر مصر لمحاربة ليبيا فقد نشرت مقابلة مع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك يتحدث فيها عن ضغوط أمريكية لجره لحرب مع مع ليبيا لكنه رفض ذلك جملة وتفصيلاً، وكانت النتيجة إسقاطه بواسطة ما سمي بالربيع (الخريف) العربي والذي قاد إلى المشهد الحالي هناك.

إن نشر داعش في العراق وسورية ومصر وليبيا لم يأت من فراغ بل هو حراك محسوب له ما بعده.

إن التدخل أو الحراك الإيراني يحظى بتأييد قوى كبرى والوقوف أمام هذا المخطط يحتاج إلى أسلوب تفكير خارج الصندوق يقوم على استخدام أسلوب القوم في المراوغة واللعب على عشرة حبال وعدم الركون إلى وعودهم أو ضغوطهم بل العمل على الانحناء أمام العاصفة من ناحية وفي نفس الوقت إيجاد بدائل داخلية وخارجية مضادة ومنافسة من ناحية أخرى تسقط المخطط من جذوره.

إن ما يتم على الساحة العربية أمر محسوب ومخطط له اعتمد في تنفيذه على أمرين الأول يتعلق بالعرب أنفسهم فقد تم استقراء تاريخهم وجغرافيتهم وتنوع مشاربهم وحالتهم النفسية وتركيبتهم السكانية وعاطفتهم الجياشة وعدم وعيهم وقلة ثقافتهم، بالإضافة إلى تعدد مذاهبهم وطوائفهم وغياب الأدوات المؤسسية التي تجمعهم وتمنع تفرقهم ناهيك عن حبهم للسلطة ومنافسة الحكام العرب لبعضهم البعض بل توجس كل منهم من الآخر ومهاتراتهم في مؤتمرات القمة وغيرها ناهيك عن عدم استفادتهم من التاريخ القريب والبعيد وعدم استقراء التجارب والعبر منه. إن كل تلك المتناقضات مكنت العدو من شق الصفوف ودق إسفين الخلاف والاختلاف مستفيداً من الثورة التقنية الجديدة في مجال الإعلام والاتصالات والتواصل الاجتماعي التي تعتبر ذات حدين أحدهما إيجابي كان من الأجدى والأنفع أن يستغلها العرب لتقوية وحدتهم، والآخر سلبي استطاع العدو الاستفادة منه في بث الأراجيف والشائعات والتجنيد والتعبئة وشق الصفوف وإبراز المهاترات والتحزب والطائفية التي انتشرت انتشار النار في الهشيم مما نتج عن ما يرى ويسمع من مشهد مؤسف يندى له الجبين، ليس هذا فحسب بل إن القادم أعظم إن لم يتحرك العقلاء للجم ذلك الفجور الذي يفرّق ولا يوحّد.

نعم إن الحراك الإيراني السلبي ضد العرب بصورة عامة ودول الخليج بصورة خاصة يجب أن يواجه بحراك إيجابي مضاد يحمي الديار والذمار ويمنع الحصار الذي يعد له بصورة ممنهجة، ولعل منع الحوثيين من السيطرة على اليمن يأتي على رأس الأولويات وهذا يمكن أن يتم من خلال دعم كل حراك يستطيع أن يشارك في العمل ضد الحوثيين من داخل اليمن وخارجه، ويشمل ذلك كل من الحراك الجنوبي والقبائل والأحزاب والرئاسة اليمنية بقيادة الرئيس هادي، بالإضافة إلى كل من يستطيع ان يتحرك في هذا الاتجاه من الجماعات والأفراد المضادة لهذه المهانة والمهزلة التي يديرها الحوثيون بمساعدة إيران والرئيس السابق علي عبدالله صالح.

نعم ليس من المعقول أن تستولي فئة لا يتعدى تعدادها في أحسن الاحوال (10%) من مجموع الشعب اليمني على مقاليد الأمور وبالتالي تسليم اليمن لأسيادهم في طهران والتي كان أحدثها توقيع اتفاقية النقل الجوي التي تم بموجبها قيام رحلات جوية بمعدل (28) رحلة أسبوعياً مباشرة بين صنعاء وطهران وهذا بالطبع ليس من أجل التبادل التجاري والسياحي، ولكن من أجل تشكيل جسر جوي لنقل المعدات العسكرية ورجال الحرس الثوري إلى صنعاء من أجل دعم الحوثيين وقتل المعارضين وإحكام القبضة الفارسية على أرض اليمن المنكوب.

نعم إن التدخل العسكري المباشر في اليمن مخاطرة كبرى وغلطة لا يمكن أن تغتفر ولا يمكن الخروج منها إلا بالويل والثبور، ولذلك فلندع الفرس يغرقون فيها ولندعم المقاومة بكل الوسائل والسبل إلا التدخل المباشر حتى وإن تم التعرض للضغوط من أجل التوريط.

نعم إن هزيمة الحوثيين تبدأ من صعدة وتنتهي في صعدة، وليس من أي مكان آخر ذلك ان صعدة منبتهم ومأواهم ومصدر تمددهم ومخزن أسلحتهم ومكمن قوتهم وقاعدة انطلاقهم وهذا لن يتم إلا بأيدي الشعب اليمني وقياداته المخلصة التي تسعى من أجل تحقيق مستقبل زاهر لليمن بعيداً عن السيطرة الفارسية المتحالفة مع إسرائيل ومن يقف خلفهما.

إن الحراك الحوثي الإيراني يتم بمباركة غربية ولو لم يكن ذلك لوجدت جيوش الغرب ترعد وتبرق فوق باب المندب لمنع الحوثيين والإيرانيين من التحكم به والسيطرة عليه.

إن الحراك الغربي يتم بتحريض وضغوط من اللوبي الصهيوني الذي يرى في هذا الحراك ضماناً لمستقبل إسرائيل وتحقيقاً للهدف الإسرائيلي المنشود المتمثل في إنشاء دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، والتي قال عنها ديفد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل ما معناه لن تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها لا بقوتها ولا بذكائها ولكن سوف يتم ذلك من خلال غباء العرب وفرقتهم واقتتالهم فيما بينهم.

إن اللوم لا يقع على الأعداء فقط بل يقع على الضحية التي تمكنهم من نفسها. فهل يعي العرب ذلك؟ وهل يقرؤون التاريخ ؟ وهل يستفيدون من تجاربهم السابقة واللاحقة ؟ وهل يستشعرون الخطر المحدق بهم ؟..

والله المستعان

 

/الرياض/

 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)