جورج علم
شرّع المأزق اليمني أبوابا مفتوحة في كلّ الاتجاهات، وعلى كلّ الاحتمالات. وانشغلت بعض العواصم العربيّة المجاورة في كيفيّة احتواء الموقف، ويتمحور البحث والنقاش حول مسارين، دبلوماسي، وعسكري. الأول ناشط، وباتجاهات مختلفة، وصولا إلى مجلس الأمن الدولي. فيما يتناول الثاني ضرورة إنشاء قوّة عربيّة مشتركة لمكافحة الإرهاب، وحماية باب المندب من الفوضى المسلّحة، والحؤول دون انزلاق اليمن نحو حروب أهليّة طاحنة. تعمّق التشاور بين الجهات المعنيّة، وطرحت مقترحات عدّة أبرزها يميل إلى تشكيل قوّة تضمّ الجيش اليمني، ودرع الجزيرة، ووحدات من الجيشين المصري، والأردني، وتتولى الإمرة قيادة موحّدة.
اعترضت إسرائيل على هذا التوجّه، وأبلغت واشنطن أن نجاح مثل هذه الخطوة قد يرتدّ على أمنها، ومصالحها، رغم وجود علاقات دبلوماسيّة مع العديد من الدول التي يمكن أن تشارك في عديدها. وخرجت الولايات المتحدة عن صمتها، وقررّت إيفاد وزير الخارجيّة جون كيري على وجه السرعة إلى الرياض، على أن يلتقي وزراء خارجيّة دول مجلس التعاون في لندن للتشاور.
تعارض الإدارة الأمريكيّة مبدئيّا تشكيل مثل هذه القوّة، حجّتها أن المسألة اليمنيّة مطروحة على مجلس الأمن، وقد أصدر الأخير قرارا يدعو الحوثييّن إلى الانسحاب من الإدارات والمؤسسات العامة، والاعتراف بالشرعيّة، إلاّ أن هذا القرار لم يصدر تحت الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوّة، وكان لا بدّ من العودة مجددا إلى الأمم المتحدة للبحث في الخيارات المتاحة.
وترى واشنطن أن إرسال قوّات عربيّة إلى اليمن، من شأنه أن يعقّد الموقف، ويدفع بإيران إلى اتخاذ خطوات تصعيديّة يمكن أن تضع ممراّت النفط في دائرة الخطر، وتدفع بالأمور إلى مواجهات غير محسوبة.
وتحرّكت جامعة الدول العربيّة بدورها على خطين: قانوني، وعملاني. عمليّا، هناك دورة مارس العاديّة لمجلس وزراء الخارجيّة التي ستبدأ أعمالها في القاهرة في التاسع من الجاري، حيث سيتم التطرق إلى هذا الموضوع من كافة جوانبه. ثم هناك القمّة العربيّة الدورية التي ستعقد في منتجع شرم الشيخ في 27 و28 الجاري.
قانونيّا هناك معاهدة الدفاع العربي المشترك المبرمة عام 1950، والتي بقيت حبرا على ورق. حصلت محاولة في العام 1973 ما بين مصر وسوريا، عندما خاض الجيشان الحرب الرابعة العربيّة – الإسرائيليّة في 6 أكتوبر من ذلك العام، وحققا انتصارا. كما شاركت دول عربيّة عدّة إلى جانب التحالف الدولي لتحرير دولة الكويت من الغزو العراقي الذي قاده صدّام حسين، لكن خارج هاتين التجربتين لم يحصل أي توافق بين الدول العربيّة على تشكيل قوّة مشتركة في أي ظرف، ولمواجهة أي خطر مشترك.
قد يقدّم النموذج اليمني مبررات تضغط في أكثر من اتجاه لتشكيل هذه القوّة، إلاّ أن الأصوات المعترضة لا تزال كثيرة، هناك من ينعي التضامن العربي، ويؤكّد على التباينات في الآراء والمواقف، والدليل أن معظم الدول قد انضمت إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، إلاّ أن جون كيري لم يتوان عن القول أمام لجنتي الدفاع والخارجيّة في مجلس النواب الأمريكي، بأن هناك عواصم عربيّة يعرفها جيدا لا تزال تدعم الإرهاب، ويعرف تماما أسماء التنظيمات التي تدعمها، والسبل، والمبالغ؟!.
وهناك في الصفوف من ينتقد إيران في العلن، لكن بالمقابل، يقيم أفضل العلاقات معها من تحت الطاولة، ويفتح قنوات عريضة من التنسيق مع أجهزتها إما خوفا منها على أمن واستقرار مصالحه، أو تحريضا على دول عربيّة أخرى تضطلع بأدوار لا يرتاح لها. إن غياب التضامن كان دائما في طليعة الأسباب التي أدت إلى الخلل الكبير في المصالح المشتركة، والدليل أن ما من قمّة قد عقدت منذ قيام جامعة الدول العربيّة في أربعينات القرن الماضي، حتى اليوم، إلاّ وكانت المصالحات بندا أول على جدول الأعمال، وهذا ما يعكس هشاشة البنيّة التي لم تمكن النافذين يوما من إعلاء شأن الصرح العربي القويّ المتماسك المتضامن، على غرار ما هو عليه الاتحاد الأوروبي اليوم، رغم أن قيام مجلس الجامعة قد استبق الاتحاد بعقود طويلة من السنوات التي ذهبت هباء؟!.
ويأتي الاستقواء بالخارج كدليل ضعف أدى إلى ضياع حقوق ومكتسبات، ولا يتسع المكان هنا للحديث عن القضيّة الفلسطينيّة، والمصير الذي آلت إليه، وقد كانت دائما وأبدا أيقونة العرب، وقبلة أنظارهم، إلاّ أن الارتهان إلى الخارج، والاتكال عليه، قد أدى إلى ما هو عليه الواقع اليوم، حيث تتفجّر براكين القضايا من كلّ حدب وصوب، وتشكّل تحديات يوميّة مصيريّة للعديد من الدول العربيّة. كانت الأنظار مشدودة نحو التغيير والخروج من تحت السقوف إلى أجواء الحريّة، والديموقراطيّة، فانطلقت الانتفاضات، وسخّرت لها طاقات وإمكانات لدعم أهدافها النبيلة، وإذ بالسحر ينقلب على الساحر، فتحوّلت إلى مواجهات. كانت ضدّ الديكتاتور، والمستبدّ، والظالم، فتحوّلت ضدّ الآخر، وإذ بالإرهاب يطفو على السطح كنتاج للربيع العربي، الذي تحوّل إلى خريف قاس ينتج كوابيس مرعبة تتهدد الكيانات، والأوطان، والشعوب.
كانت القضيّة الفلسطينيّة الشغل الشاغل، وإذ بالقضيّة اليمنيّة تفرض أولويتها، هل يتحسس العرب رؤوسهم فيبادروا إلى إنشاء قوّة مشتركة تعيد لهم الدور والاعتبار؟!. إنه زمن الاستحقاقات، ولا بدّ من الانتظار لمعرفة ما ستؤول إليه المساعي الدبلوماسيّة الناشطة، منها زيارة كيري إلى الرياض ثم لقاؤه مع وزراء خارجيّة دول الخليج في عاصمة الضباب؟!.