أحمد المرشد
من المبكيات المضحكات في اليمن وما يثير الدهشة لدى المراقبين حقا، ما خرج به المبعوث الدولي جمال بن عمر على الجميع، بقوله إنه نجح في إقناع كل الأطراف باستئناف الحوار للتوصل إلى حل يخرج اليمن من أزمته الحالية.
كان ممكن اعتبار هذا إعلانا عاديا أو ربما يكون محقا فيه، إلا أنه عاد بعدها مباشرة ليحذر من أن اليمن على حافة حرب أهلية. فالحوثيون يتمسكون بـ " الإعلان الدستوري" الذي فرضوه بالقوة والذي اعتبره البعض "انقلابا عسكريا" في حين أن الإعلان أعقب الانقلاب على سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته والدولة وجيشها وكل سلطاتها، ثم إن الحوثيين فرضوا نظامهم بقوة السلاح وليس بالتفاوض والحوار مع بقية الأطراف والقوى المؤثرة في اليمن.
فالحوار في اليمن الذي يعول عليه المبعوث الدولي جمال بنعمر، انتكس بسبب تصرفات الحوثيين واستمرارهم في السيطرة والهيمنة على الدولة وعدم الخضوع لمطالب القوى السياسية الأخرى في اتخاذ إجراءات تثبت حسن النيات، فهم يتعاملون مع مسألة الحوار كملهاة لكسب المزيد من الوقت، ثم إن أعين الحوثيين لا تسير نحو حوار وحل سياسي وغيره، لأن الأهم لديهم الآن هو إخضاع الجنوب ومأرب لضمان وضع يدهم على منابع النفط في البلاد (حضرموت، شبوة، مأرب) بدرجة رئيسية، وهذا ما سنتطرق إليه.
لقد عاد اليمن مفتتا بعد انقلاب الحوثيين، فالجنوب تصاعدت أماله في الانفصال بعدما أعلن عدم رضوخه لقرارات العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة عبد الملك الحوثي زعيم جماعة "أنصار الله" ، في حين أن العاصمة ذاتها معرضة للانقسام هي الأخرى بعد إعلان زعماء القبائل في مأرب والجوف والبيضاء تأسيس إقليم سبأ استعدادا لفصله عن إقليم أزال الذي يضم العاصمة نفسها، وليس آخرا رفض حزب المؤتمر الشعبي التابع لعلي عبد الله صالح الموافقة على قيام المجلس الوطني الذي يريده الحوثيون بديلا عن البرلمان، وهو الذي يعد من أكبر شركائهم حتى الآن وأحد القوى الرئيسية التي ساعدتهم على تحقيق ما تم من نجاح على الأرض، ويكفي أن ولاء الجيش والشرطة للرئيس اليمني الأسبق أسفر عن غياب أي تدخل عسكري وشرطي في مواجهة مد الحوثيين على الأرض.. ثم بعد كل هذا الانقسام والتفتت، يخرج المبعوث الدولي ليعلن أنه ما زالت هناك فرصة للحوار، ثم يستتبعها بتحذير غير مفهوم بانزلاق اليمن نحو حرب أهلية.
ربما يشعر الحوثيون بالقوة والغرور بعد ما حققوه خلال الفترة الماضية وتحديدا منذ سبتمبر الماضي عندما سيطروا على العاصمة صنعاء بحكم التآمر مع على عبد الله صالح وبعض لواءات الجيش والشرطة والمخابرات.
وربما تنسيهم هذه الانتصارات السريعة حقائق مهمة عن اليمن هذا البلد الذي هم منه ولكن لا يعلمون تاريخه، فعلي عبد الله صالح بعد أن استخدمهم عاد ليرفض مقترحهم بالإعلان الرئاسي وتشكيل البرلمان البديل، لأنه له أيضا حساباته حيث يريد اللعب على كل الحبال وكأنه لا يزال رئيسا للجمهورية ويمسك بخيوط اللعبة بيده، فصالح رغم تعليماته لأنصاره بوزارتي الدفاع والداخلية بفتح الأبواب أمام الميليشيات الحوثية دون أي مقاومة عسكرية، ليكونوا في صفه لاحقا، عاد الحوثيون لينقلبوا على صالح نفسه الذي سيضطرلمواجهة أعدائه السابقين واللاحقين وهم "أنصار الله" الحوثيين.. ولن تكون الحرب سهلة أو هينة، بين خصمين قديمين تحالفا مؤقتا فقط لكي يحقق كل طرف مبتغاه على حساب الدولة الأم. فصالح أراد للحوثيين إلحاق الهزيمة بغريمه التاريخي على محسن الأحمر وآل الأحمر في قبيلة حاشد وجماعة "الإخوان المسلمين" ، بيد أن المعادلة ليست معروفة النتيجة حتى الآن .
ثم إن الحوثيين سيواجهون جيشا منظما في الجنوب وأنصار الإخوان المسلمين أيضا، والأهم من كل هذا وذاك، وضع اقتصادي متدهور للغاية بعد قرار مجلس التعاون الخليجي اعتبار ما حدث باليمن على انه "انقلاب عسكري" ضد السلطة الشرعية والتقدم للأمم المتحدة بمشروع قرار بهذا المعني، ليحتل اليمن المرتبة الثانية في ترتيب الدول العربية الفاشلة بعد الصومال.. فاليمن في حاجة ماسة للدعم الاقتصادي الدولي الذي يصل لنحو 12 مليار دولار، فمن أين سيأتي الحوثيون بهذا المبلغ الضخم، بالإضافة إلى من سيتحمل تكلفة الحرب المرتفعة جدا، في ظل المعروف عن اليمنيين بعشقهم للحروب وصلابتهم التي طردت جيوش الاحتلال في الماضي.
وإذا أمعنا النظر قليلا في قرار السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي بسحب سفرائها من صنعاء وكذلك بقية الدول الكبري، فهو بالغ الخطورة على الوضع باليمن، فالمدلول سياسي واقتصادي وهو ما أثار مخاوف اليمنيين أنفسهم، لأن النتيجة مزيد من المعاناة الاقتصادية خاصة في ظل انعدام للمشتقات النفطية، وهذا يوفر دوافع الخوف في الشارع اليمني من اندلاع حرب أهلية، حيث يعيش الشمال على وقع سيطرة الحوثيين وترفض قواه وقبائله هيمنة هذه الحركة التي تتهم بأنها تدين بالولاء لإيران، وتعمل على إقصاء بقية القوى السياسية..فيما يعيش الجنوب حالة غليان وتتعدد فصائله وحركاته المطالبة بما يسمى استعادة الدولة أو "الانفصال" عن الشمال. وننقل هنا ما ذكره عمر بن حبريش رئيس حلف قبائل حضرموت، من أنهم سوف يحافظون على ثروة الإقليم في ظل فراغ مؤسسات الدولة في البلاد، ومن أهمها الثروة المعدنية وما نسبته 70 % من النفظ اليمني الذي يستأثر به الإقليم. ويضم هذا الحلف أكثر من مليوني مواطن يمني من محافظات حضرموت وشبوة والمهرة.
يضاف إلى ما سبق من مخاطر، انتشار الحركات الأصولية المتطرفة كتنظيم "أنصار الشريعة" التابع للإخوان، وتنظيم القاعدة، وما يتم الحديث عنه أو تداوله حاليا، من وجود مكثف لعناصر تنظيم داعش ومبايعة عناصر من "القاعدة" لزعيم "داعش" والعمل من خلال الأراضي اليمنية.. وهذا ليس له سوى معنى واحد، أن اليمن سيكون في عزلة سياسية طالما لم يعمل الحوثيون على إحياء العملية السياسية بين مختلف القوى اليمنية الموجودة على الأرض، وأن الانقلاب الحوثي، والآثار المترتبة على فراغ السلطة، سيسفر عنه تنامي نشاط الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الأراضي اليمنية مقرا لها، وبالتالي يدخل الشعب اليمني في نفق مظلم.
ويبدو أن الحوثيين غير عابئين بالحصار الدبلوماسي العربي والغربي، لأنه ما تسرب من داخل اليمن نقلا عن قيادات كبيرة منهم، فهم لا يعطون اهتماما للإجراءات المتخذة من قبل بعض العواصم العربية والغربية، وأنهم لن ينصاعوا سوى لإجراءات تفرض عليهم عقوبات، فيما هم يراهنون على عقوبات تفرض على الشعب اليمني من أجل المزيد من المزايدة على المواطنين بأن العالم يريد تجويعه.
(كاتب ومحلل سياسي بحريني) ..
/نقلا عن الراية/