العقيد م. محمد بن فراج الشهري
في مقالات سابقة تعرضت لما يمر به اليمن من أزمات متنوعة وفي آخر مقال كتبته كان بعنوان (اليمن وتواطؤ الرؤساء) إذ لولا رؤساء اليمن السابقين لما حصل ما حصل الآن، إن ما قام به الحوثيون من أعمال هي نتيجة لفراغ سياسي وعسكري في اليمن طوال العامين الماضيين بالتحديد، ونتيجة لتواطؤ وخيانات متعددة لعبت فيها المصالح الشخصية والأهواء والنزاعات الطائفية والقبلية دون مراعاة لوضع البلد الدولي والسياسي والاقتصادي.
ومرت الأيام الكئيبة على اليمن حتى جثم على أنفاسه كابوس ليس له علاقة بالسياسة وشؤون إدارة البلاد، وليس لديه أي حنكة سياسية أو اقتصادية تنتشل اليمن من أزمته، و ليس مرحبا به في كافة أنحاء اليمن ولا مجاوريه.. حزب واحد وفئة أعلنت ميولها وتوجهاتها وبانت أهدافها ومن يدعمها في توجه سافر للإخلال بمستقبل اليمن وجعله العوبة في أيادي خارجية معروفة التوجه والمقاصد.. إيران أعلنت بوضوح دعمها وتدخلها السافر في شؤون اليمن وأوجدت المال والسلاح والدعم اللوجستي والتدريب، ولم تترك وسيلة إلا واتخذتها في سبيل تفتيت اليمن لمصلحة حزب واحد على غرار حزب الشيطان في لبنان.. إلا أنها تناست أو تعامت عن ما سيتبع ذلك من كوارث، وأن إيران وإن طال المدى لايمكن أن تنجح مع الحوثيين أو غيرهم في تدمير اليمن لأن في اليمن قبائل ترفض التوجه الإيراني والحوثي معا، ثم أن ما اقترفه الحوثيون من إعلان حكومتهم دون تدبير أو تركيز أو موافقة الجهات المهمة في اليمن هو انتحار سياسي ولن يستمر، والتسهيلات التي قدمت للحوثيين ستنقلب ضدهم ولن يستمر الوضع كما كان.. إلا أن هناك أمورا يجب ترتيبها إذا ما أراد اليمنيون الخروج من هذا المأزق، وهو تعديل وضع الجيش وإصلاح وتعاون القبائل بدحر الحوثيين والعودة بهم إلى ما كانوا عليه مع (صالح) وغيره، وتوحد التوجهات بين الجنوب والشمال في سبيل نهج واحد يقضي على التهور الحوثي ويعيده إلى حيث أتى، أيضا إيقاف التدخل الإيراني السافر في شؤون اليمن وهو ما يتوجب على هيئة الأمم والدول العربية والدول الخليجية إذ لاتكفي الإدانة التي أطلقها مجلس التعاون ولا حتى التلويح الذي ظهر من مجلس الأمن، لأن ما قام به الحوثيون ينسف العملية السياسية السلمية ويعد تصعيدا خطيرا في اليمن وعلى دول الخليج أن تتخذ كافة التدابير والإجراءات الضرورية لحماية مصالحها.
ثم يجب إيقاف المشروع الإيراني في المنطقة وأن لايبقى مجلس التعاون في غرفة المراقبة فقط، والانتظار حتى ينتقل المشروع إلى بلد آخر من بلدان الخليج لابد من إيقاف هذا المد وكذلك التهور الحوثي، إذ لايمكن أن يتوقع الحوثيون استكمال سيطرتهم على كل أطراف اليمن ومحافظاته، فهم يعرفون حجم العوائق التي تقف في طريقهم والتي تؤكدها الاحتجاجات والرفض ضدهم في المحافظات الجنوبية وحتى في العاصمة نفسها، ولكن الحوثيين يريدون من وراء ذلك أن يجدوا لهم مكانا باذخا في حكومات اليمن وأن يتمكنوا من جميع مفاصله، والوعود التي جرت بينهم وبين الرئيس المخلوع (علي صالح) ذهبت أدراج الرياح، حينما وعدوه بأنه سيكون حليفهم الطبيعي ومرشحهم الأوفر حظا عندما يستكملون انقلابهم، فإذا بهم يستبدلونه برئيس اللجنة الثورية العليا والتي ستكون المرجع الأول في إدارة انقلابهم ورئيسيهم (محمد علي الحوثي) والذي كان معتقلا من قبل جهاز الأمن السياسي أيام المخلوع (علي صالح) بعد أن عاد من إيران حيث تدرب على يد الحرس الثوري.
إذن (علي عبدالله صالح) لم ينل إلا الخيبة وانقلب السحر على الساحر، وهو من سهل مع زمرته المطرودة وصول الحوثيين إلى هذا الموقف، بالإضافة إلى الخيانات المشتركة لأشخاص وقبائل وثكنات عسكرية ساهمت في تشتيت اليمن والمقاومة اليمنية والضحية هم السكان والمواطنين الذين لم ينعموا بالراحة طوال الأعوام الماضية، إذاً اليمن يعاني من كارثة حقيقة إذا استمر الوضع على ما هو عليه، واعتقد جازما انه لن يستمر حتى لو تحولت إيران ومعها الحرس الثوري إلى صنعاء، فلن يستمر الوضع ولكن على كل جهة يهمها مصلحة اليمن الوقوف بحزم أمام هذا التيار المنحرف وإيقاف مده وتوسعه والحذر الحذر قبل فوات الأوان.
/صحيفة الجزيرة/