علي الرشيد
هل ستفرمِل اليمن من طموحات النظام الإيراني في المنطقة، وتكون بمثابة نقطة البداية في الحدّ من تمدده في الإقليم، وفرض أجندة الأمر الواقع من خلال أذرعه المختلفة، ومن ثمّ إقناع الولايات المتحدة والغرب بعدم التمادي في عقد صفقات تقاسم النفوذ والمصالح معه على حساب الدول الأخرى في المنطقة؟.
أسئلة كبيرة ومهمّة تتعلق بالمستقبل القريب والبعيد، وقد تكون الإجابات عنها لا تزال مبكِّرة، كما يصعب أن تكون حاسمة، لأنها تنتظر مواقف الأطراف الأخرى من التطورات المتعلقة بها والمتغيرة بسرعة.
ليس بخافٍ أن ذراع النظام الإيراني في اليمن هم الحوثيون، تماما مثلما حال الأذرع الأخرى كحزب الله في لبنان وبعض الميليشيات الشيعية في العراق، وهي تضاف إلى الأنظمة التي توالي إيران أو القريبة منها مثل النظامين السوري والعراقي.
كان الحوثيون يتجهون منذ شهر سبتمبر الماضي للانقلاب كليّة على النظام الشرعي القائم ورئيسه الحالي عبد ربه منصور هادي، وقاموا بالشراكة والتفاهم مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح باجتياح العاصمة صنعاء، وسيطروا على مدن أخرى ومعسكرات للجيش وقوى الأمن ووزارات وأجهزة إعلام، وفرضوا الإقامة الجبرية على رئيس الحكومة ثم رئيس الدولة، لكنّ متغيرين رئيسيين قلبا الطاولة على رؤوسهم، الأول: السخط الشعبي عليهم وعلى ممارسات ميليشياتهم من خلال المسيرات الشعبية والجماهيرية والرفض العشائري المسلّح والعديد من مكونات التمثيل المحلي في المحافظات، والآخر تمكّن الرئيس هادي من الإفلات من قبضتهم وانتقاله لعدن وسحب استقالته، واعتبار كل القرارات التي صدرت عنهم أو تحت ضغطهم بسبب قوة السلاح باطلة ولاغية.
لا يمكن فصل الدعم السابق والحالي للنظام الإيراني للحوثيين، وتحرك هذه المليشيات الأخيرة المتسارع في اليمن، خصوصا في الشهور الأخيرة، عن تحركات موازية لحزب الله ومليشيات عراقية تتحرك في العراق وسوريا، أو عن صولات وجولات سليماني في العراق وسوريا، لأنها تندرج في إطار خدمة الأجندة الخارجية للسياسة الإيرانية التوسعية في المنطقة، وتأكيد طهران على دورها الإقليمي وتمدد نفوذها وأمنها القومي الذي لم تخف أنه يمتد حتى سواحل المتوسط وربما حاليا نحو البحر الأحمر أي على الأقل للخليج والمشرق العربي، والسعي لاعتراف الآخرين في المنطقة والعالم بهذا الدور أو فرضه عنوةً.
التوسع الإيراني وتقاسم النفوذ كان واضحا منذ الاحتلال الأمريكي للعراق من خلال التفاهم مع الأمريكان، واتضح بصورة أكبر بصورته المباشرة في الأزمة السورية من خلال قتال حزب الله والحرس الثوري الإيراني وميليشيات عراقية، ولولاه لسقط النظام السوري منذ مدة بعيدة، لكنّ تدخلا أخيرا وبقوة من هذه الأطراف في حلب / في الشمال، وهو تدخل لا يخلو من دلالات كشف عن خسائر كبيرة وقعت في صفوفهم، وتضخم فاتورة الضحايا.
هل كان الحساب الإيراني في اليمن غير دقيق، وهل تقود طهران مغامرة لم تكن محسوبة العواقب، أم شجعتها على ذلك نجاحاتها في سوريا ولبنان مؤخرا وإن كانت على المدى القصير، والوهن في الصف العربي على مستوى الأنظمة والجماعات والقوى السياسية، والتشرذم في مواقفهم؟.
الأرجح أن الحسابات لم تكن دقيقة لديها، وربما وراء هذه الحسابات الخاطئة إضافة لما سبق تشجيع الرئيس المخلوع علي صالح لها عبر تحالفه مع الحوثيين، خصوصا أنه يستعجل عودة نفوذه السابق.
تختلف اليمن عن غيرها بحكم المساحة الكبيرة، ووجود السلاح بيد الناس، وعدم اختفاء النزعة القبلية، ووجود مساحة معقولة من الحرية، والأغلبية السنية (الشافعية)، والربط بين الحوثيين والإمامة المستبِدّة التي ثار الشعب ضدها في الستينيات، والاستياء من طرحها المذهبي والماضوي الضيّق، وربما لهذه الأسباب وغيرها كانت عصيّة على الاستعمار والاحتلال والاستبداد في مراحل سابقة من تاريخها.
صحيح أن الحوثيين قد فرضوا أنفسهم كرقم صعب في هذه المعادلة وضمنوا لأنفسهم موطئ قدم في المشهد السياسي اليمني القادم وحسّنوا شروط التفاوض، ولكنهم لم ينجحوا في أمور كثيرة، أهمها: عدم قبول الناس لهم إلا في حدود ضيقة، تنامي حجم الكراهية لهم ولممارساتهم يوما بعد يوم من قبل القوى السياسية وقوى الثورة الشبابية ومكوّنات الحراك في الجنوب، عدم نجاح انقلابهم كما كانوا يأملون وظهورهم كجماعة نشاز تحاول أن تفرض حضورها وأجندتها السياسية وتوسعها من خلال قوة السلاح بعيدا عن العملية الديمقراطية والحزبية وصناديق الاقتراع، ارتباطهم في ذاكرة اليمنيين بالارتباط بقوى خارجية (إيران).
وربما ساعد على فرملة تحركات وطموحات الحوثيين إدراك أنظمة المنطقة بخطورة نجاح هذه الميليشيا، خصوصا أنها صارت على مرمى حجر منهم، وتوفّر القناعة للعمل فعليا من أجل التصدي لهم، ودعم من يقف في وجه مخططاتهم.
نجاح فرملة الحوثيين ومواصلة نجاحاته في تحجيم خطرهم مرهون داخليا بوحدة موقف القوى السياسية والثورية الشبابية والقبائل والمكونات المحلية والفكرية الأخرى ضد هذا الخطر، والتعاون على اتخاذ مواقف عملية لتطويق تمددهم ونفوذهم، وخارجيا بأمرين، الدعم الخليجي والعربي لهذه الجهود، وهو ما سيمهّد الطريق لإقناع الغرب بخطئهم في القبول بالتوغل الإقليمي لإيران وفي تقاسم النفوذ والمصالح معها في المشرق العربي.
ولاشك أن النجاح في فرملة الحوثيين في اليمن سيسهم في فرملة المشروع الإيراني التوسعي في دول أخرى في المشرق العربي ويحدّ من أحلامه الجامحة والمغرورة.
/بوابة الشرق القطرية/