كلمة الرياض
قيل إن العرب لديهم عقدة المؤامرة الخارجية، وبصرف النظر عن مطابقتها للواقع من عدمه، فالمؤامرة موجودة في الفكر السياسي ليس بين الضعيف والقوي، وإنما بين الأنداد المتساوين بالنفوذ وفرض القرارات، لكن هذه الأمة التي جرّدت نفسها من مصادر القوة، أصبحت ترمي أي قصور على دول أو دولة محددة بالاسم، أو باسم المؤامرة كشبح..
مثلاً قيل (إننا)، ولا أدري من تشمل، ومن تستثني هذه «الأنا»، قمنا بضياع العراق وسلمناه لإيران، بينما السبب والمتسبب معروفان، وأعطي هذا الحكم للوضع في سورية ثم ليبيا وكأن التأثير العربي تحكمه قوانين وترعاه قوة موحدة حتى تتصرف بناء على عقود الجامعة العربية ورعايتها، وحالياً تصاعدت أصوات بأن تعقيدات اليمن ودخوله مرحلة اللادولة ثم فقدان الجميع شرعية قيادة الوطن، توضع المسؤولية على دول مجلس التعاون الخليجي بينما هم من قاموا بالمبادرة لإصلاح أوضاع اليمن وقبل انقلاب الحوثي بمساعدة علي عبدالله صالح..
أزمة اليمن غير قابلة للحل من الخارج، بل حين يتفق الأضداد يمكن قبول وساطات عربية، إذا أقر الفرقاء أن مثل ذلك مقبول من الجميع، أما أن يتفاقم الخلاف وكلّ يدعي شرعيته على السلطة والحكم، فلا يوجد قوة عربية أو إقليمية ودولية، يمكن لها إيجاد حلول، والتجارب القائمة في عواصف الدول العربية التي تحيط بها الأزمات والحروب خير دليل..
المشكل في أن أي حركة أو جماعة تضع نفسها البديل الموضوعي في إحكام السلطة على الدولة، وهي غير مؤهلة، تقع في تناقضاتها، وهذا ما رأيناه مع الإخوان المسلمين في مصر الذين أقاموا حكماً دام عاماً كاملاً، ولكنه كان بلا مشروع إلا منطلقات قيادات الجماعة، وهو الخالي من أي هدف تلتقي عليه الأغلبية الشعبية ولذلك دمر نفسه بنفسه..
الحوثيون أقلية صغيرة في اليمن، كان لهم دعوات ارتفعت إلى مستوى الحرب على السلطات هناك، ونتيجة الفراغ في الحكم، وضمن تحالف بين قوى كانت في حالة حرب معهم، جاءت الفرصة لأن يتمددوا ويفتحوا مدناً ويعتدون على السلطة الشرعية، يلغون الدستور، ويقيلون الرئيس وحكومته، وأعضاء برلمانه، وهذا الزخم الذي كان انتصاراً سريعاً بمفهوم الحوثيين، لم يكن يعرف النتائج ما بعد هذا الزهو، وفي يمن تتنازعه صراعات قديمة، وكان المفترض أن يكونوا البديل المقبول الذي يرسخ النظام ضمن جبهة وطنية عريضة توحدها مصالح وطنية عليا، لا أهداف حزب أو جماعة تفتقد مقومات إدارة دولة في فراغ سياسي كبير، وأزمة اقتصادية مستفحلة..
نرجع إلى الدور الخليجي، هل بإمكانه التعامل مع فصائل يمنية لا تتقاطع بأهدافها الحزبية والقبلية، وطوائفها، حتى يمكن أن يعيدوا سيرة مبادرتهم مع كل التيارات اليمنية، أم يفاوضون فصائل، أو مع قيادة حكومة منتخبة نقلت عاصمتها لعدن، أو ترك الموقف لأصحابه ليقرروا ما يريدون باعتبارهم أصحاب المسؤولية؟
ما يجري هناك معقد، والبحث عن قائمة حلول يحتاج إلى وقفة موضوعية يديرها عقلاء يؤدون أدوارهم دون أحكام مسبقة أو ولاءات لأطراف الصراع، وهذا لا يتوفر في الوقت الحاضر، إلا أن فكر الجميع بأنهم في السفينة الواحدة القابلة للغرق في أي وقت..
يوسف الكويليت
[email protected]