بسام ناصر
لم يجد المتحدث باسم الحوثيين، ضيف الله الشامي ما يجيب به مذيعة قناة دريم المصرية، حينما سألته عن إجبارهم للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على الاستقالة، ووضعه قيد الإقامة الجبرية، إلا أن يقول: بأنهم لم يفعلوا شيئا غريبا، بل ما فعلوه بالرئيس "هادي" هو عين ما فعله الشعب المصري العظيم الذي استطاع الانتصار على الذئاب التي كانت تحيط به.
بحسب منطق الشامي، الذي هو منطق الانقلابيين جميعهم، يصبح السؤال عن الفرق بين ما فعلته جماعة الحوثي مع الرئيس "هادي" في اليمن، وما فعلته المؤسسة العسكرية المصرية وسائر القوى والأحزاب السياسية المصرية الداعمة، مع الرئيس محمد مرسي بلا معنى ولا مغزى؟ فما حصل في مصر هو انقلاب المؤسسة العسكرية على شرعية الرئيس المنتخب، والقيام بخطفه وتغييبه عن المشهد السياسي بالكلية، وهو في منطقه وروحه مطابق تماما لما قامت به جماعة الحوثي صاحبة الكلمة العليا في المشهد اليمني حاليا، باغتصابها للسلطة وسيطرتها على مفاصل الدولة، وإجبار الرئيس على الاستقالة، ووضعه قيد الإقامة الجبرية.
فإذا كان الانقلاب العسكري هو الانقلاب ذاته، سواء وقع في مصر أو اليمن، فكيف يمكن فهم وتفسير المواقف المتناقضة التي أيدت انقلاب المؤسسة العسكرية في مصر ودعمته، في الوقت الذي رفضت فيه انقلاب الحوثيين في اليمن، فما الفرق بين الانقلابيين، وما الذي جعل الانقلاب في مصر مرضيا ومقبولا، وفي اليمن مذموما ومرفوضا؟.
كيف يمكن فهم وتفسير مواقف "الإعلام الأمنجي" الذي دعم الانقلاب في مصر، وسوقه باعتباره مخلصا لمصر مما حل بها من مصائب، في الوقت الذي استنكر فيه انقلاب الحوثيين في اليمن، كما سألت مذيعة دريم المتحدث باسم الحوثيين ضيف الله الشامي، مستنكرة على الحوثيين فعلهم الانقلابي، ومستشهدة بكلام مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر على أن الرئيس هادي موضوع قيد الإقامة الجبرية. ليرد عليها بأننا فعلنا ما فعله الشعب المصري، إذ لا فرق بين انقلابنا وانقلابكم، فالانقلاب هو الانقلاب، وما علينا وعليكم إلا تجميله بإضفاء الشرعية الشعبية عليه.
ما حدث في مصر واليمن، من الانقلاب على الشرعية، يشي بأن غالب الأنظمة السياسية في عالمنا العربي، لا تعرف سبيلا للشرعية إلا عبر القوة المجردة، فشرعيتها مستمدة من سيطرتها على مفاصل الدولة، وإحكام قبضتها بالكلية على السلطة، فهي لا تتسلح بالشرعية الشعبية، ولا الشرعية التاريخية، ولا شرعية الإنجازات الحقيقية (وإن كانت تصنع ذلك صناعة عبر أحهزة إعلامها).
يشير الباحث العراقي وليد حسن في عرضه ومناقشته لكتاب "إشكالية الشرعية في الأنظمة السياسية العربية مع إشارة إلى تجربة الجزائر" إلى أن الأنظمة السياسية العربية "قامت منذ البداية على فعل تعسفي، فقد مارست وتمارس القوة بكل أشكالها ورموزها العنيفة في السياسة والاجتماع، إذ واجهت منذ تكونها مشكلة الشرعية، فالشرعية التاريخية مفقودة منذ انهيار الخلافة العثمانية، وهذا الانهيار خلق فراغا لم يملأ حتى الآن، وما زال الانهيار يتسبب في كثير من الخلافات وممارسة القوة والقهر على مجتمعاتها، إلى جانب الافتقار إلى شرعية الوجود، أي الشرعية التاريخية، فكثير من الأنظمة تفتقر أيضا إلى شرعية الإنجاز، وهذا ما جعلها على الدوام على قطيعة مع مجتمعاتها...
ويلفت إلى أن السلطات والأنظمة العربية "بعد استمرارها في ممارسة القوة والعنف الذي حمل بين ثناياه عوامل التفجر والعنف والاضطهاد.. أخذت تفقد المبرر الأخلاقي والسياسي لوجودها، ليصبح مبرر وجودها الوحيد تأمين مصالح أصحاب السلطة والفئات الصغيرة من المنتفعين بها.. مشيرا إلى أن الشرعية التي تستند إليها غالب الأنظمة السياسية العربية هي "شرعية الأمر الواقع" فلا هي شرعية القانون، ولا هي شرعية الظرف التاريخي، لأن أدوات صنع القانون في مجتمعاتنا تقبض عليها السلطة التنفيذية بإحكام، ولأنه لا مجال للحديث عن شرعية القانون ما لم تكن قاعدة القانون في صياغتها مستندة إلى قواعد وأسس ثابتة من البناء الديمقراطي والحربة الشعبية الحقيقية..".
ما زالت الأنظمة السياسية العربية تغيب عن العصر وروحه، بتكريسها نمط حكم الفرد المطلق، أو الحزب المسيطر على شؤون الدولة والمتحكم في مفاصلها، وهو ما يرسخ أزمة الشرعية السياسية وإشكاليتها في العالم العربي، فالشعوب العربية ترى بأم أعينها كيف تكتسب الأنظمة السياسية شرعيتها في البلاد الغربية، وكيف يتم انتخاب رؤسائها من قبل الشعوب، وكيف تُقيد صلاحياتهم بالدستور والقانون.
تُقارن الشعوب العربية بين دولة القانون الحقيقية في الغرب، ودولة الاستبداد والقمع والاضطهاد التي يعيشون تحت حكمها، ليتساءلوا بحسرة: لماذا يعيش أولئك القوم متنعمين في ظل أنظمة سياسية ديمقراطية عادلة، ونحن نعيش في ظل أنظمة مستبدة ظالمة، حرمتنا من أبسط حقوقنا، وجردتنا من كرامتنا، وسلبت حرياتنا؟؟ هذا إن حافظت على حياتنا التي لم تعد لها أية قيمة تُذكر عند بعض الأنظمة العربية التي أزهقت أرواح الآلاف من مواطنيها من أجل المحافظة على كرسي السلطة، ولو على جماجم الآلاف من مواطنيها وأشلائهم الممزقة والمحترقة.
/الراية - بسام ناصر(كاتب أردني)/