مهنا الحبيل
كل فقرة في بيان الرئيس اليمني عبد ربه هادي بعد تحريره من محتجزه الجبري لدى الميلشيات الحوثية مهمة جداً، غير أن أبرزها وأخطرها على الإطلاق، الإعلان الصريح عن عدم اعترافه بأي إجراءات وقعّت تحت اسمه أو غيابه أو في حضوره منذ 21 سبتمبر، وأنها ملغاة دستوريا، وما تعنيه هذه العبارة من مفهوم قانوني وسياسي وجنائي مهم، يعني أن الرئيس اليمني كان تحت سلطة قهرية وتهديد سلاحها تملي عليه جبراً ما تريده.
وهو ما يعني أن الحوثيين مارسوا تهديداً جنائياً على الرئيس هادي بعد اقتحام مسلح للعاصمة، وأن كل ما صاغوه بما فيه تورط المبعوث الأممي جمال بن عمر في سلسلة إجراءات تخدم خطتهم وخطة علي صالح مع كتلته الخاصة في المؤتمر الشعبي العام، للإطباق على اليمن بدعم من إيران وأطراف أخرى تدعم صالح أو عبر نجله، وهو عملٌ حربي خطير، ويؤكد إمكانية قيام الحوثي باحتجاز ابنة الرئيس وطفلها ذي الستة أعوام كرهائن بعد تبين تحرير الرئيس هادي.
ومع أن هذه المعلومات المهمة لا تُخلي الرئيس هادي من الاستدراج السابق الذي جرّه اليه الحوثيون وعلي صالح لاقتحام صنعاء من خلال وزير الدفاع السابق وعدم تكليف القوات المسلحة بواجباتها الوطنية، وهو ما مكّن الحوثي من الاقتحام الشامل للعاصمة السياسية صنعاء، إلا أن إعلانه اليوم يعيد تأسيس مسار دستوري مختلف تماماً، يسحب البساط من سلطة الحوثيين وعلي صالح وخطتهم لجمع البرلمان المُعلق، سلما أو قهراً والتصويت على قبول استقالة الرئيس، كونها اليوم أُبطلت قانونيا ودستوريا، حين أُعلن أن الرئيس كان تحت القهر الجبري والتهديد.
وأن كل تلك القرارات تحت سلطة احتلال مارست سلوكا إرهابيا، فتسقط هذه القرارات على الفور منذ إعلان الرئيس استقلاله, واستئناف مهامه بوصوله لأي جغرافية وطنية يمارس فيها صلاحياته.
وعليه فإن المشهد يتوجه لهذا المعترك السياسي الجديد، الذي يبعث الأمل بإنقاذ سياسي ودستوري لليمن، ما دام الرئيس رفض أن ينجرف للمشاعر الجنوبية المتأثرة وعزل نفسه عن قرار الانفصال ومارس صلاحياته كرئيس موحد لليمن وليس كما اقترح عليه الحراك الجنوبي أن يعلن ذاته كرئيس لليمن الجنوبي.
وعزز ذلك اشتعال الرفض المدني والعشائري للاحتلال السياسي لإيران عبر الحوثي، ورفض القوى الوطنية أجندات التقسيم المذهبي التي ليس لها جذور في اليمن إلا بعد تحول الحوثي الى الموقف الإيراني المتطرف.
وما طُرح من مخاوف على أن ذلك ممكن أن يكون صفقة بين الرئيس والحوثيين لإتمام فصل بين اليمن «جنوبي وشمالي» سقط بقراءة الموقف بدقة وتداعياته وورطة الحوثي وعلي صالح ونجله أحمد ومجموعاتهما الخاصة في المؤتمر وفي الجيش، وهو ما يحتاج الى خطوات سياسية تتبع هذه الخطوة من الرئيس، لتنظيم القوات المسلحة وتجميعها في ألويتها حسب تواجدها الجغرافي ووضع معسكرات على حدود نفوذ المناطق المحتلة من الحوثي لتأسيس مواقع لكل الألوية، تحت الشرعية الدستورية، دون الانخراط في أي قتال إلاّ للضرورة.
إن أهم خطوة من البيت الإقليمي الملاصق لليمن هي إعلان موقف تأييد قوي وواضح، لبيان الرئيس وردفه بجسر دعم مباشر ، يشجع كل الأطراف السياسية والعسكرية على التحشد مع الشرعية الدستورية، وإعادة تأهيل المؤسسة الوطنية التنفيذية بدعم شركاء العملية السياسية والقبائل، في توجه وموقف صريحين وواضحين.
ولا بد هنا من مصارحة كل فرقاء العمل السياسي بأن المشهد يحتاج لتضامن الجنوب كضرورة قصوى، وأن إعطاءه وعدا وبرنامجا مضمونا ببيان رئاسي يحوّله الى شريك في اتحاد كونفدرالي بات حقا موضوعيا أو ضرورة سياسية يحتاجها كل يمني لإنقاذه من براثن الاحتلال الإيراني، لذلك فهو تنازل مشروع لمرحلة مهمة، إن قرر الفرقاء خارج الحوثي النجاة، وقرر الخليج دعم خطتهم.
كاتب وباحث إسلامي ومحلل سياسي
/نقلا عن اليوم السعودية/