د. علي القرني
هناك أمران مهمان عن الحوثيين، يهيمنان على فكرهم وحراكهم وتواجدهم في المشهد اليمني، أولهما أمر لا يعرفونه وثانيهما أمر يفتقدونه.. الأمر الذي لا يعرفونه هو السياسية، والأمر الذي يفتقدونه هو بعد النظر..
وكلا الأمرين يؤثران كثيرا على مجريات الأحداث الأخيرة في اليمن.. وفعلا الحوثيون يفتقدون الحنكة والتجربة السياسية من ناحية، ويفتقدون بعد النظر وحسابات الواقع بشكل مناسب وبتقديرات موضوعية وعملية..
فمن الواضح أن الحوثيين يعملون وفق معادلة رفع سقف إنجازاتهم التوسعية وتجاوزاتهم مهما كلفهم ذلك من أمر ومهما بلغوا من مخاطر، ولكن من الواضح ان المزاج النفسي في اليمن يتصاعد ضدهم، ومنذ أن احتلوا صنعاء العاصمة واستباحوها.. ثم بدأوا يعبثون في البلاد طولا وعرضا شمالا وجنوبا برا وبحرا.. نعم هم لا يفقهون في السياسية كحركة وربما غيرهم من داخل اليمن ومن خارجها يحركونهم كدمى تسير وفق أجندات داخلية وخارجية.. وهم حتى مع تحقيق هذه البعثرة في الحياة اليمنية إلا أنهم لا يجيدون السياسة، ولكنهم يجيدون تنفيذ السياسة لحساب قوى داخلية أو قوى خارجية..
وبات معروفا أن الرئيس علي عبدالله صالح يمثل القوة الداخلية التي تحرك الميليشيات الحوثية يمينا وشمالا، مع عناصر من الجيش وعناصر كبيرة منهم من الموالين للرئيس علي صالح.. وربما الإنجاز الأهم للرئيس اليمني السابق هو تفكيك الجيش وتأمين الخيانة فيه، بما يساعد الحوثيين في مد نفوذهم إلى كافة المحافظات اليمنية، بما في ذلك خيانة تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للحوثيين حتى يتحركوا بها ويستعرضون قوتهم في سبيل تحقيق أهدافهم.
أما القوة الخارجية للحوثيين فهي بلا شك إيران، وتحديد الحرس الثوري الذي يرسم الخطط العسكرية ويصنع الأهداف السياسية للحركة، ولا شك ان الحركة الحوثية هي تحت أنظار الحرس الجمهوري من فترة طويلة، فقد رشحت لتكون هي أداة لتنفيذ المخطط الإيراني في منطقة جنوب غرب الجزيرة العربية وفي منطقة البحر الأحمر.. وهكذا أصبحت ايران تخطط وعلي عبدالله صالح يقدم الخدمات المساندة والحوثييون ينفذون.
وعندما نقول إن الحوثيين لا يفقهون في السياسية فهذا حقيقي لأنهم لا يمتلكون الخبرة ولانهم وضعوا أنفسهم مطية للآخرين في تنفيذ أجندات هم لا يعرفون عنها، فهم عبارة فقط عن واجهات خارجية ومطايا تتحرك لخدمة أسيادهم في السياسة التي ينفذونها.. فالحوثيون ليس لديهم رؤية سياسية واضحة للحكم أو رؤية سياسية واضحة للخروج من الأزمة الحادة التي يعيشها اليمن حاليا بسببهم. والوضع حاليا في اليمن هو في أسوأ حالاته، فقد تم تفكيك السلطة ووضع الرئيس ورئيس الحكومة تحت الإقامة الجبرية، وتم السطو على مؤسسات الدولة، ومهاجمة الأحزاب السياسية المعارضة، وقمع المظاهرات.. ناهيك عن الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه اليمنيون.
وما يفتقده الحوثيون أو الحركة الحوثية هو «بعد النظر»، حيث إنهم لا يفكرون أبعد من اليوم أو غدا، وليس لديهم رؤية للمستقبل، كما ليس لديهم تقدير لحسابات الوضع وتداعياته عليهم، والدليل أنهم مواصلون في حراكهم القمعي ضد السياسيين والناشطين وحركات الرفض الشعبية، ومستمرون في العبث السياسي بمقدرات الدولة اليمنية. كما ان الميليشيات الحوثية تمادت في القتل والتعذيب لأبناء اليمن من الطوائف الأخرى، وحققت أخطر عمل قامت به وهو زراعة الكراهية لهم بين مختلف الأحزاب والطوائف وشرائح المجتمع، وهذا يعكس قصر النظر لدى القيادات الحوثية التي خلقت هذه العدائية الكبيرة مع الشعب اليمني.
وعلى الصعيد الدولي، خسر الحوثيون كثيرا حيث فقدوا أو بالأحرى أفقدوا اليمن الدعم والإحتواء الخليجي الذي كانت معظم المساعدات الإقتصادية تأتي منه، ولم يعد اليمن الدولة الأكثر تفضيلا للمساعدات الخليجية، واستطاع الحوثيون أن يخلقوا عداءات خارجية كبيرة، مما استوجب من دول مجلس التعاون الخليجي أن يصدر قراره بمناشدة مجلس الأمن بالتدخل العاجل في اليمن لإنقاذه وإنقاذ السلطة الدستورية التي اغتصبها الحوثيون وبعثروا أوراق الحياة اليمنية، كما وجدا هذا النداء دعما من مجلس الأمن الذي طلب فورا إعادة السلطة الدستورية والواضع السابق إلى ما كان عليه.. وهذه فقط مجرد بدايات لتدخل دولي في الشأن اليمني سببها الحوثيون وعدم تقديرهم لحجم الأزمة التي صنعوها ليس في اليمن فحسب بل في المنطقة..
/صحيفة الجزيرة/