الأرشيف

اليمن في الرياض اليوم . . هل السيناريوهات بحجم التغيرات؟

الأرشيف
السبت ، ١٤ فبراير ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٣٢ صباحاً

حبيب الصايغ


ترتبط قضية اليمن واليمنيين بالخليج والخليجيين لأسباب موضوعية بعضها تاريخي حين يشتمل التاريخ على أزمنة الماضي والحاضر والمستقبل أيضاً، وبعضها سياسي واستراتيجي ومعاصر . من هنا كان الخليج، عبر مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حاضراً في اليمن بكل جهده السياسي نحو المحافظة على الكيان اليمني والدولة اليمنية، وربما لم يكن التدهور في الأوضاع اليمنية مفاجئاً إلى هذا الحد، فلذلك علله يقيناً، لكن الذي فاجأ العالم وأوله الخليج هذه السرعة المذهلة في استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء بعد انقلابهم السريع كما لو كان ما حدث فصلاً تراجيدياً في مسرحية إغريقية دهرية .


إزاء ذلك، فإن الاجتماع الاستثنائي المتوقع لوزراء خارجية "التعاون" في الرياض اليوم السبت هو اجتماع مهم لأنه ينعقد في ظروف مهمة وعاصفة، وهو إذ يخصص لليمن، فإن ما يتوقعه المراقبون، وما يريده، قبلهم، شعوب اليمن والخليج، إيجاد خطوات عملية لمعالجة الانقلاب الحوثي، فمن المعروف أن الاستناد إلى الشرعية من خلال بيان يؤكد ذلك عملياً هو رد ضعيف في ظل المتغيرات الخطيرة المتسارعة وكأنها الجنون، والمطلوب قرارات جادة وعملية . الواضح من المتابعات أن دول مجلس التعاون لا تود اتخاذ قرار للتدخل المباشر في اليمن، لكن دول الخليج، في الوقت نفسه، لا تقبل، في البعد اليمني، هذا المصير المؤسف الذي صار إليه اليمن، ولا تقبل أن تستحوذ جماعة صغيرة على كل السلطة فيه، ولا يمكن أن تقبل تلك الخيانة المدوية من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهي التي قوبلت بغدر الحوثي ب"الزعبم" الحليف، وفي البعد الإقليمي، فإن هذا التغير الذي طرأ يعتبر اختلالاً في المعادلات والمقاييس، وانتصاراً استراتيجياً لإيران، وخطراً يهدد المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية من خاصرتها الجنوبية، وفي البعد الدولي، فإن الرأي الغالب هو أن طي الصفحة الحوثية إن لم يتم بطريقة منظمة فإن هذه الأوضاع ستقود إلى المزيد من الفوضى وسيناريو أو سيناريوهات الدولة الفاشلة .


فما هو المتوقع من اجتماع الرياض استناداً إلى دبلوماسيين ومراقبين وثيقي الصلة؟ تجاوز البيان التقليدي بالتأكيد . عدم ترديد عبارات الشجب والاستنكار والندب والندم بالتأكيد . عدم اتخاذ خطوات تؤدي إلى ورطات جديدة كالتدخل العسكري بالتأكيد .


إذاً، التوقعات ليست التخلي وليست الانغماس الذي يحيل إلى المزيد من الفوضى والشعور بالمتاهة، ومما هو متوقع كنتيجة مباشرة لاجتماع الغد أو عبر خطوات لاحقة أن يصل الأمر إلى إغلاق سفارات خليجية في صنعاء، وهو ما سبقتها إليه أمريكا ودول أوروبية .
لكن سحب السفراء أو إغلاق السفارات في بلد قريب ومؤثر كاليمن يثير أسئلة متناقضة، فمن ناحية لا يحبذ عدم وجود قناة اتصال بالداخل اليمني، ومن ناحية مقابلة، لا يمكن تعريض البعثات الخليجية لمغامرات هذه الفوضى المستشرية .


وسط المعمعة، تطل برأسها أحجية حجز الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس وزرائه خالد بحاح، حيث أدى المترتب على ذلك إلى المزيد من الإخلال بالأمن والاستقرار والقيم والأعراف في يمن عريق كان يعتد، طول دهره، بأن "الحكمة يمانية"، وأن شعبه ينعم بنعم "بلدة طيبة ورب غفور"، والاقتباس من القرآن العزيز .
وحول الوضع في الجنوب، فهناك رأي في الخليج يقول إن الجنوب يحق له في مثل هذه الأوضاع أن ينفصل، خصوصاً مع انهيار الدولة في الشمال .
الحقيقة في ذلك، ويراها عديد من المسؤولين والمراقبين الخليجيين حقيقة واضحة، كما يتبناها تيار يمني عريض، أن الجنوبيين لم يستفيدوا من دولة الوحدة مادياً أو معنوياً، وأبعد من ذلك، أثرت مشاكل السلطة في الشمال على مجريات الجنوب وبصورة سلبية طاغية، لكن الإشكالية الرئيسية التي تنبت هنا وتعوق دون استعادة الجنوبيين قدراتهم وتوجيهها نحو استقلال ثان تعود إلى تفتيت الصف الجنوبي وعدم وجود قيادة تستطيع أن تقود الجنوب والجنوبيين إلى هذا الاستقلال، كما أن مؤيدي الانفصال قد لا يستطيعون الجهر برأيهم تجاه تقسيم عضو في الجامعة العربية والأمم المتحدة .
يراهن آخرون على أن الحوثيين لا يملكون الذكاء السياسي أو القدرة المادية والبشرية نحو الاستحواذ الكامل على إدارة اليمن، ويراهنون على أن خطابهم جاء متضارباً ومتناقضاً، وبالتالي فإن موقفهم الحالي سيستنزفهم، ولكن في بلد به العديد من القضايا والتعقيدات والتهديدات لا يمكن، بالضرورة، التعويل على الوقت لإيجاد أو لمس مثل ذلك الاستنزاف .
من هذا المنطلق تتجه أنظار المراقبين إلى نيويورك، حيث تتم صياغة قرار دولي حول اليمن يؤكد أمرين: الشرعية والمسار السياسي، كما تتجه أنظار المنطقة إلى الرياض، حيث ينعقد الاجتماع الوزاري الاستثنائي اليوم السبت، وذلك للبحث عن آلية خليجية تعيد التوازن الاستراتيجي لصالح الخليج .
لا يخفى بعد هذا أن علي عبدالله صالح، ومن خلال تعاونه المفضوح مع الاستيلاء الحوثي على صنعاء فقد رصيده كلاعب يمكن الاعتماد عليه، وغلّب في حساباته روح الانتقام الصغير على النظرة الأشمل، وربما كان ذلك ما يميزه في رئاسته الطويلة التي شهدت تاريخاً من اللعب على الحبال من دون أن تكون هناك نظرة استراتيجية لليمن . في السياق نفسه لم يستطع حزب المؤتمر أن يفك ارتباطه ب "الزعيم" علي عبدالله صالح، الأمر الذي أثر في دوره، أي حزب المؤتمر، كلاعب وسطي مؤهل لانتشال اليمن الجريح من الفوضى، ومن الأخطار الوجودية، الوجودية بكل معنى الكلمة، التي تهدده .
إننا أمام مشهد غاية في الصعوبة والتعقيد، والمأمول بل المطلوب من اجتماع الرياض خطوات حقيقية ملموسة تسهم في إنقاذ اليمن وإبعاده عن دوره المحتمل كمدخل للنفوذ الإيراني إلى المنطقة .

 

/الخليج/

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)