الأرشيف

جامعة صنعاء محط الآمال

الأرشيف
الخميس ، ١٢ فبراير ٢٠١٥ الساعة ١٠:٥٤ مساءً

جابر الغزير


كان صوت الفنان اليمني المشهور أيوب طارش عبسي يملأ الأفق بأغنية النشيد الوطني الشهيرة "ردّدي أيتُها الدنيا نشيدي.. ردّديه وأعيدي وأعيدي.. واذكُري في فرحتي كل شهيدي.. وامنحيه حللاً من ضوءِ عيدي". كنّا مجموعة من الإعلاميين، نفترش تراب أول خيمة إعلامية نصبناها في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء، في إحدى المساءات الثورية السلمية، ضد نظام الرئيس السابق علي صالح العام 2011. توافقنا على تسميتها بـ"الرابطة الإعلامية لشباب الثورة". حينها جاءنا بعض الزملاء لمناقشة الانضمام لإحدى الخيام التي كانت تتبع جماعة الإخوان، رفضنا ذلك قطعاً، مؤكدين على استقلاليتنا، والعمل دون إطار حزبي. لم نكن ندرك أنها أولى محاولات اختراق الشباب لإفراغهم من الحماس وحلم التغيير كما تحقق لاحقاً.

أمام بوابة جامعة صنعاء اخترنا رمزية المكان لخيمتنا المتواضعة. بدايةً، لم نكن نملك سوى القليل من الأدوات، أهمها مسجل صوتي. كنّا أول من وثّق للمسيرات اليومية التي شهدتها الساحة. ورصدنا كافة الانتهاكات بحق الثائرين بأخبار وتقارير شاملة. ولأن صوت الشباب كان مغيباً في الإعلام المرئي محلياً ودولياً كان من اللازم إيصال صوتنا بأية وسيلة إعلامية. وأصدرنا أول صحيفة باسم "صحيفة شباب الثورة" وكانت تغطي كافة أخبار الساحة وتوثق كافة الانتهاكات.

بعد تزايد المد الشعبي وامتداد الخيام المنضمة للساحة تزايدت اعتداءات "بلاطجة" النظام السابق ضد الشباب تماماً كما يحدث اليوم. تزامنت  مع محاولات كثيفة لمندسّين من مخابرات النظام لاحتواء الشباب، ومحاولات أخرى لتجييرهم لصالح أحزاب سياسية لم تجد من خيار سوى الانضمام لساحة الثورة. هكذا وقع الشباب بين مطارق النظام وسنادين الأحزاب المنضمّة للثورة. لم يكن الشباب يأبه بمحاولات الكيد الخبيثة التي حيكت ضدهم منذ الأسابيع الأولى. وكانت العاطفة الوطنية هي الغالبة على تفكيرهم ومشاعرهم تجاه ذلك. آملين صحوة الضمير الوطني لدى عامة الشعب. والخروج من حالة التيه التي وصل إليها البلد آنذاك. والتي كانت أفضل بكثير قياساً بالوضع الحالي للأسف.

أعترف كأحد أوائل الشباب الذين خرجوا لإسقاط نظام صالح بعدم امتلاكنا لرؤية تنفيذية واضحة لما بعد مرحلة إسقاط ذلك النظام الفاسد، والاكتفاء بأفكار ومطالب مثالية قياساً بدول أخرى مثل مصر وتونس. وكان سقف المطالب يرتفع أكثر "كلما زدنا شهيد" بحسب هتاف الزميلة توكل كرمان. والتي جاء تكريمها بجائزة نوبل اعترافا وتكريماً عالمياً لثورة شبابية سلمية أدهشت العالم وسجلت أنصع صفحة مضيئة في تاريخ اليمن حتى اللحظة.

نجتر متاهة التيه ونتائجها على كافة المستويات. وكان سقوط الدولة بكل مؤسساتها في يد مليشيات الحوثيين نتيجة العشوائية التي يعيشها الجميع هنا، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع. وفي ظل نخبة سياسية تحترف فن الكيد السياسي ضد بعضها، يكون من الطبيعي الوصول لهذه الحالة التي يعيشها هذا البلد حالياً. وربما نتجاوز هذا الوضع إلى ما هو أكثر كارثية، وربما تنقاد البلد إلى حرب أهلية مدمرة.

في ذروة هذا الانهيار الذي وصله هذا البلد ثمة قلعة أخيرة نعلق عليها حلمنا الأخير في الحرية. جامعة صنعاء ونبضها الحي من الطلاب الأنقياء من لوث السياسية يواصلون السير على خطى ثورة الـ11 من فبراير. متحدين مليشيات القمع الحوثية ووحشية جلاديهم الجدد الذين يمارسون ذات السلوك الهمجي كسلطة غاشمة اغتصبت الحكم بقوة السلاح وتسعى لتكميم الأفواه وقمع واختطاف ومصادرة أي صوت حر يصرخ في وجههم.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)