عبدالله الصنوي
هل نضبت الحلول لمشكلة اليمن المعقدة ؟ بالطبع لا لم تنضب والحل موجود دائما بيد أن هناك من لا يريد هذه الحلول إلا إذا كانت على هواه وهواه لا يستهوي جميع الفرقاء , التخبط هو سيد الموقف والحوار تحت ضل البنادق هو خيار من عدة خيارات مرة ويمكن أن يكون اقلها مرارة , قيل قديما أن أشد المعارك ضراوة و أكثرها نصرا وتأثيرا هي المعارك التي لا تسفك فيها قطرة دماء واحدة وهذه المعارك تدور رحاها في أروقة الغرف المغلقة وعلى طاولة النقاش و بين ثنايا الكلمات لكن هل ينطبق هذا القول على حوار اليوم مع الحوثيين ؟ وهل هذه القوى السياسية المتحاورة معه تخوض معركة الشرف واستعادة الكرامة ؟ أم أنها جزء من اللعبة سيقت إلى الحوار سوقا تكملة لبقية مخطط الحوثيين للهيمنة على اليمن ؟ أسئلة كثيرة وصعبة تدور في رؤوس اليمنيين جميعا تبحث عن إجابة وربما الإجابة أكثر تعقيدا من الوضع الراهن ؟
الشارع يغلي والشباب رافضون لفكرة الحوار مع الحوثيين جملة وتفصيلا ولهم في ذلك كامل العذر إذ كيف تتحاور مع جماعة شهرتها في الكذب والخداع ونقض الاتفاقات قد بلغت عنان السماء كيف تشرعن وتعطي غطاء سياسيا لعصابات قتلت ونهبت ودمرت وعاثت في الأرض فسادا وتحالفت مع قوى خارجية ورؤوس الفساد في اليمن لإسقاط الدولة وإحلال المليشيات المسلحة مكانها. القوى السياسية هي ذاتها متناقضة فبين من يوافق على الحوار كفكرة وبين من يضع الشروط المسبقة لدخوله و من يرجو نتائج قبل دخول الحوار أصلا . الإصلاح وعلى لسان اليدومي في أكثر من موضع قالها صراحة ودون مواربة أنه لا بديل للحوار إلا الاقتتال , ولا اعلم هل يغفل اليدومي عن أن هذا الحوار هو مطية الحوثيين لتثبيت أقدامهم عميقا في مفاصل الدولة أم أن في جعبة الإصلاح سهام كثيرة ليس التفاوض مع الحوثيين آخرها
. وهناك قوى سياسية ينطبق عليها المثل الذي يقول "نسمع جعجعة دون طحن" وهي الأحزاب اليسارية على وجه الخصوص التي هرمت وترهلت في دهاليز السياسة وربما ليس بمقدورها الاستمرار في الحياة إلا على التنفس الاصطناعي مرة تهدد بالانسحاب ومرة تنسحب ثم تعود بيد أن وجودها من عدمه لا يشكل فارقا ولهذا تحاول استغلال الفرصة لكسب تعاطف شعبي علها تنعش ذاكرة الناس بأمجادها في العصور الغابرة
. لكن على أرض الواقع وبعيدا عن أروقة السياسة تسير الأمور على قدم وساق نحن الحرب والاستعداد لها وكأن ما يجري في صنعاء هو شأن آخر فإذا اتجهت شرقا فهذه مأرب التاريخ كنز اليمن المطمور في رمال الصحراء الأرض المنسي سكانها المعروفة ثرواتها مأرب بقبائلها وشيوخها وخيلها ورجلها قد أجمعت على أن لا يدخلها عليهم الحوثي عنوة إلا على جثث أهلها هكذا تحدث شيوخها وقالوا ( أرضنا عرضنا ) وأهمية مأرب لمن يريد السيطرة على اليمن كأهمية الماء لمسافر الصحراء , وليس ببعيد عن مأرب فهذه شبوة قد استنفر شيوخها وقياداتها العسكرية والمدنية من كل حدب وصوب لتشكيل مجلس يدير المحافظة ويدافع عنها في حال قيام أي جماعة بمحاولة السيطرة عليها وأهمية شبوة كأهمية مأرب .
الحوثيون أكبر القوى تخبطا وكأنهم وقعوا في فخ انتصاراتهم فعلى الأرض ليس بمقدورهم السيطرة على أكثر مما هم فيه الآن فمأرب أوقفتهم بدون قتال والبيضاء إحدى بوابات الجنوب بقبائلها الشرسة لقنوهم دروس قاسية على مدار شهور جعلتهم يحسبون لها ألف حساب , كان الحوثيين حسب مخططهم يستهدفون مراكز القوة العسكرية والقبلية والاقتصادية بحيث لا يستطيع أحد بعد ذلك أن ينبس ببنت شفة اعتراضا على ما يريدون , سلمت لهم المعسكرات تسليم الأهالي بفعل الخيانة و قيادات تدين بالولاء للمخلوع علي صالح واستطاع الحوثيون الهيمنة على القبائل المحيطة بصنعاء بفعل الامتداد الفكري الزيدي والقوة العسكرية التي بيديه ولم يعد باستطاعته الذهاب أبعد من ذلك , ومراكز القوة الاقتصادية خصوصا النفط تحميها القبائل بضراوة ليس بمقدور الحوثي وحده أن يتحمل فاتورة باهظة في حال قرر خوض مجازفة مثل هذه فله تجربة مريرة في الجوف , وسياسيا لم يخططوا لملئ الفراغ الدستوري الذي أحدثه هادي والحكومة بالاستقالة أو بمعنى أصح لا يريدوا الذهاب منفردين مكشوف الرؤوس لحكم اليمن , ليس أمام الجميع إلا التوافق والاتفاق وإلا فإننا أمام أبواب ستفتح وسيكون من الصعب إغلاقها .