علي الرشيد
كان لليمن ثورة في 11 فبراير 2011 أطاحت بالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وجرى الترتيب لرحيله وللمرحلة اللاحقة له بطريقة تجنب البلاد المزيد من الدماء والخسائر، مقابل منحه الحصانة من المساءلة، وعبر مبادرة خليجية حظيت حينها بموافقة من القوى السياسية اليمنية.
مثله مثل كافة الديكتاتوريين الآخرين حاول صالح بعد أن خرج من الباب أن يعود من الشباك مستغلا كافة الثغرات، بحكم ولاء كثير من الشخصيات العسكرية والأمنية له، وعمق جذور الدولة العميقة وتوظيف المال السياسي، وإضعاف نفوذ الرئيس عبد ربه منصور هادي، والتخويف من إرهاب القاعدة.. فكان له ما أراد من خلال التحالف مع الحوثيين الذين تصدروا الواجهة قبل شهور بدعم إيراني وسيطروا على المدن والسلاح بما في ذلك صنعاء إلى أن وصلوا إلى دار الرئاسة وفرض شروطهم بالقوة، ثم ما كان من استقالة الحكومة والرئيس هادي، لتكون اليمن في مهب الريح خلال هذه الأيام.. فراغ في الدولة من أشكال القوة السيادية، وفراغ في السلطة الانتقالية، وعاصمة تعصف الرياح فيها وتصفّر.
أكثر من ذلك من الواضح أن ما حصل من قبل المخلوع صالح والحوثيين يحظى بمباركة شبه معلنة أو ضمنية من الولايات المتحدة، ومما يسمى المجتمع الدولي أيضا في إطار ترتيب إقليمي مع النظام الإيراني، والدليل على ذلك تصريح البيت الأبيض مؤخرا بأنه ليس واضحا للإدارة الأمريكية ما إن كانت لإيران سيطرة على الحوثيين من جهة، واستمرارها في التعاون مع اليمن لمحاربة الإرهاب من جهة أخرى، وسكوتها طيلة الأشهر الماضية عن تقدم الحوثيين وسيطرتهم على المحافظات اليمنية بما في ذلك العاصمة صنعاء، وعلى القرار السياسي وسلاح ومقدرات الجيش اليمني بتواطؤ من بعض قادة الأخير.
لا أحد يعرف ما إذا كانت استقالة الرئيس اليمني بمحض إرادته ليقلب الطاولة على رؤوس من أهانوا كرامته وطلبوا منه التوقيع على مراسيم سيادية، أم كتبها تحت الضغط ليصل الحوثيون ومعهم المخلوع صالح للحكم مرة أخرى، عبر مجلس رئاسي أو خلافه، مجهضين ضمنا ثورة شعب انتفض ضد الظلم والتسلط والفساد في أجهزة الدولة ونهب مقدراتها.
لكن من الثابت أن اليمن يعيش أياما عصيبة جدا، تهدده بأمور مهمة كثيرة، منها الفوضى والاقتتال الأهلي على خلفيات مذهبية وقبلية، والتمزق والتشرذم إلى دويلات وأشطار، وقد بدأت نذر هذا الأمر تلوح في الأفق، فالأقاليم تتحدى المركز، وترفض الطاعة، ويتكتل بعضها في مواجهة بعض، وبعضهم يتحدث عن نفخ الروح فيما كان يسمى باليمن الجنوبي، والتكهنات حول الوضع القادم ورسم ملامح اليمن القادم ضبابية، بل قاتمة السواد، وتنذر بما لا يحمد عقباه.
وكل ما ذكر سابقا يعتبر من أهم مهددات اليمن وأبرز التحديات القادمة التي تنتصب في وجهه، فيما يسارع كل طرف لتنفيذ أجندته، وتحقيق مآربه في ظل خلط الأوراق المتواصل، بينما يغيب تأثير القوى السياسية الكبيرة، والحضور والتأثير الخليجي في مجريات هذه التطورات المتسارعة.
قد يكون إيصال هذا الوضع إلى ما آل إليه ـ بغض النظر عن المخاطر المحدقة باليمن ـ يوافق رغبة أمريكية أو بمثابة اللحظة المناسبة لتحقيق أجندات معينة في ذهننا، أو يوافق رغبة المخلوع للعودة للحكم أو للتأثير في القرار السياسي، أو الحوثيين للوصول لحكم اليمن منفردين أو مشاركين أو لتضخيم حصتهم من كعكة المصالح، وتأمين موطئ قدم لداعميهم في خليج عدن والبحر الأحمر، وقد يوافق ذلك أو يعد ذلك اللحظة المناسبة لبعض الراغبين في تقسيم اليمن الموحّد، بعض النظر عن الدوافع التي حملتهم على ذلك. لكن اليمن الآمن المستقر الموحد كدولة مدنية تنشد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية كما أرادها شباب ثورة، 11 فبراير 2011، وكما يرجوه كل عاقل لبلاده قد تكون أكثر المتضررين والمتأثرين بما يحدث.
من الواضح أن هناك رفضا شعبيا لتحالف (صالح ـ الحوثي) وقد تمثل ذلك في المظاهرات الشبابية الكبيرة في صنعاء وتعز وإب وعدن وغيرها، ورفض كثير من الأقاليم تلقي الأوامر من صنعاء بعد استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي، فيما يشبه مواجهة للثورة المضادة لثورة 11 فبراير، لكن الأمر يتطلّب من كل الخيّرين والوطنيين في اليمن تواصل اليقظة والحراك الثوري ومزيدا من الإبداع في رفض ومواجهة "تحالف الثأر والانتقام"، ومن جيرانه الخليجيين والعرب أن يقفوا وقفة جادة وقوية حتى لا يبقى اليمن في التيه وينزلق إلى ما لا تحمد عقباه، خصوصا إذا كان تحرك تحالف (صالح ـ الحوثي) متواصلا بدعم إيراني وغطاء أمريكي، وفق لعبة تقاسم النفوذ والمصالح كما حدث ويحدث في العراق وسوريا وغيرها.
اليمن أمام مقتضيات لحظة تاريخية بالغة الحساسية.. والوقت محسوب بدقة، فإما أن يسارع الشعب اليمني، وفي مقدمتهم الشباب الثوار والنشطاء ومن ضمنه الفعاليات والأحزاب والنخب.. لقول كلمتهم والتعبير عن إرادتهم الرافضة لمخططات الهيمنة وإجهاض روح ثورة فبراير، أو يتأخر أو يتناحر فيما بينه ولا يلتقي على كلمة سواء فيدخل بلاده في نفق مظلم.
وكما هي لليمن فإن هذه اللحظة التاريخية مهمّة أيضا لدول الجوار (الدول الخليجية) والدول العربية، إذ ينبغي أن تقف إلى جانب أمن واستقرار ووحدة اليمن، لأن أمنها كدول ومنظومة مجتمعة من أمنها، كي لا تضيع اليمن كما ضاعت دول عربية قبلها، حينما دخلت كليا أو جزئيا في حظيرة النفوذ الإيراني والتقاسم الدولي.
/بوابة الشرق/