الأرشيف

اليمن.. عودة إلى المجتمع البدائي

الأرشيف
الأحد ، ٢٥ يناير ٢٠١٥ الساعة ٠١:٢٥ مساءً

ناصر محمد الشريف


في مطلع العام 2011، خرج اليمنيون في ثورتهم الشعبية، وكان مطلبهم الأبرز الانتقال إلى "الدولة المدنية الحديثة"، دولة العدل والقانون والمساواة. مصطلح "الدولة المدنية" ربُما كان أكثر مصطلح جرى على ألسنتهم في ذلك العام. في مسيراتهم وهتافاتهم وشعاراتهم المرفوعة، كان يتردد كثيراً ويُسمع كثيراً، وبرحيل علي عبدالله صالح، ظن معظم اليمنيين أنهم باتوا أقرب إلى تحقيق حلمهم بالدولة المدنية الحديثة من أي وقتٍ مضى.

لم يكن اليمنيون يتوقعون إطلاقاً أنهم بعد ثورتهم تلك سيفقدون الحلم، ويفقدون حتى ذلك الشكل الرديء من الدولة الذي رفضوه طمعاً في الانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة، ليعود بهم الحال إلى زمن ما قبل نشوء الدولة أساساً، زمن ما كان يُعرف بالمجتمع البدائي.
ولتعرفوا معي أن اليمن قد عاد بالفعل إلى المجتمع البدائي، تعالوا معي لنقرأ ما قاله العالم الألماني الشهير، ماكس فيبر، في مقارنته بين كيف تُحكم الشعوب في وجود الدولة وكيف تُحكم المجتمعات البدائية قبل نشوء الدولة، لنسقط ما قاله على واقع اليمن حالياً.
يقول فيبر: "لو قارننا كيف كانت المجتمعات البدائية تُحكَم، فإننا نُلاحظ ذلك الملك "القاهر" الذي يركب فرسه ومعه الجند والسيوف، وأينما يحل وينتصر يفرض سلطته، وعندما يفرض سلطته، فإن معه أشخاصاً يكتبون ويقرأون، وهؤلاء يكتبون الأوامر التي تصبح قانوناً بسبب قوة السيف الداعمة لها".

من يعيش في اليمن، أو يتابع ما يجري فيها يجد أن سلوك جماعة الحوثي يمثل ترجمة حرفية لما قاله ماكس فيبر، فقط ولأننا في القرن الواحد والعشرين لم يركب الملك "القاهر" الفرس، فقد بات يركب صهوة تكنولوجيا الاتصال، بمختلف صورها، ولم يعد الجند يحمِلون السيوف فقد باتوا يُحمَلون على عربات ويصطحبون معهم مدرعات ودبابات وأسلحة أخرى مختلفة حديثة ومتطورة.

بالنسبة لبقية تفاصيل ما قاله فيبر، فنجد أن عبد الملك الحوثي هو ذلك الملك "القاهر" (هو أو من ينوب عنه سواءً كان أبوعلي الحاكم، أو شقيقه عبد الخالق)، ومسلحو الجماعة هم الجند الذين يُسقطون القرى والمدن والمحافظات، وفي كل مدينة أو محافظة يحل فيها وينتصر، يفرض فيها سلطته ضارباً الدستور والقانون عرض الحائط، لتصبح أوامره عبر مشرفي الجماعة وقضاتها العرفيين هي القانون، بسبب قوة السلاح الداعمة لها.

حالياً هناك عشرات اليمنيين يقبعون في أقبية سجون الجماعة الحوثية، لا تهمة توجه إليهم سوى أن أوامر صدرت باعتقالهم من القيادات الميدانية للجماعة، لأنهم "دواعش" أو "تكفيريون" بنظر الجماعة. وهناك عشرات أيضاً ممن يجرجرون إلى التقاضي لدى قضاة الحوثي العرفيين في قضايا سبق لبعضها أن بتّت فيها أعلى محكمة في البلاد هي (المحكمة العليا).

لم تكتف جماعة الحوثي بفرض قيم المجتمع البدائي وأعرافه على اليمنيين، بل هي، اليوم، تسعى إلى شرعنة ذلك، فبحسب أسبوعية (نبض المسار) التي يملكها صحفي متطرف ينتمي للجماعة، يُدعى أسامة ساري، فإن دستوراً جديداً في مكتب "السيد" عبد الملك الحوثي يُنتظر إقراره، وفيه مبدأ دستوري، ينص على أنه، وبما أن اليمن، حسب الصحيفة، يُحكم بالشرعية الثورية، فإن توجيهات عبد الملك الحوثي، باعتباره قائد الثورة، تكتسب الصفة القانونية.

اليمن اليوم بلا دولة وبلا رئيس وبلا حكومة وبلا دستور وبلا جيش، وقوانين وأعراف المجتمع البدائي هي السائدة والحاكمة. وهنا، يبقى على اليمنيين القيام بمهمة صعبة، لكنها مهمة وضرورية للغاية، تتمثل في استعادة دولتهم، دولة القانون والعدل والمساواة، الدولة التي حلموا بها يوم أن خرجوا في ثورتهم، قبل أربع سنوات من اليوم.

 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)