لا أنكر أني والكثير من اليمنيين كنا ومازلنا _في بعض الحالات_ نعاني من مشكلة إدراك الأمور بشكل متأخر، قاسينا كثيرا في محاولة تلمس اعذار لمن حولنا تبريراً وانتظاراً..
حالة تجعل صاحبها أقرب لسلحفاة تخرج رأسها من تحت درقتها الصلبة مندهشة للعالم الذي سبقها إليه الكثير وانتهوا من قسوته بينما تتلقى صفعاته بروح البدايات الاولى..
قد يراها البعض نوع من التبلد أو تصنع البلاهة، على الرغم انها في بعض أحيان كثيرة قد تكون نعمة لا ندرك قيمتها إلا متاخراً..
ابتعدت عن حالة الانتظار التي عشتها منذ بداية الحرب، وتركت ما يؤرقني لفترة من الزمن، لا مزيد من فهم متأخر لمغامرات الحوثي أو تبريرات لفشل الشرعية، كما أني لن أضيع حياتي منقلة بصري على شاشات قنوات المصارعة الحرة بين من يخشى على "دولة ما" من كلمة تجرح احاسيسها المرهفة، وآخر يفني نفسه من أجل أرضاء غانيته المراهقة في" الطرف الآخر "، في صراع لا يهمني منه شيء سوى إزاحة أجنداته التي اقتحمت بلدي عنوة..
لن أقول " تباً للجميع " فانا مهذبة بما يكفي لأن اترك شعب بأكمله يقولها نيابة عني..
يبدو أني بدات في التغير وفهم ما يجري حولي أخيرا، لم أعد تلك السلحفاة في مسألة الحرب على الأقل...
لكن اكتشافي المتأخر لمكتبة الفنان الرائع أبو بكر سالم اعاد الباسي درقة السلحفاة المندهشة بلذة ومتعة لا انكرها ..
هذا النهار وبينما كنت في مطبخي أقطع البصل في حضرة الكبير أبو بكر وهو يصدح لي بلهفة عاشق :" وإن شي عندكم لي قلب عاره، تعيروني فقلبي ما دريت أين؟!" !!
أعترف أني كنت على وشك الاستسلام له ووهبه قلبي وكليتي أن اراد، قبل أن تقاطعني رنة رسائل هاتفي!..
تركت قلبي على الطاولة لاجد ڤيديو قصير لمجموعة من الانقلابيين يلقنون ما قيل إنهم مجموعة من الأكاديميين في حفلة ما أو فعالية وهم يرفعون أيديهم على الطريقة النازية، في استنساخ سخيف!..
كم أمقت السخافة وتكرارها..
مسحت "يدي ودموعي وابتساماتي" لاكرر مشاهدة المهزلة وأنا أسأل نفسي هل جاء وقتي للفهم الخاطىء وسرد التبريرات على ما أراه، والحق يقال إن فيه ما يحتاج للكثير منها..
على سبيل المثال بأمكاني الهتاف وبمنتهى الحماسة: " لن يخرج من رأيته في الفيديو عن مغيب، جاهل أو مُجبر، من المستحيل أن ينبطح اليمني بهذا الشكل المعيب والمذل، تاريخنا منذ البداية يرفضهم، هناك خطأ ما " ..
" على من هذي الهدرة ؟! "..
خرج صوتي مخرساً أفكاري قبل أن أمسح الفيديو الملوث من هاتفي " الجديد"، وأقدم اعتذاري الشديد للفنان أبو بكر _ ليقبله بعد جهد_ ويعود للوقوف على مسرح طاولة المطبخ الرخامية، مغرداً بحنجرته الذهبية بشكوى خاصة لي من جديد :" بلانا بهم ربي، وولاهم على قلبي وهو غالي، ما دام في يدهم قلبي يميتونه ويحييونه!!!" ..
قد يعتقد البعض إصابة قلبي بالبرود والتبلد، لكم أن تسألوا دقاته ليثبت لكم العكس وهو يتراقص على هذه ألالحان المُكتشفة، كل ما في الأمر أنني أدركت أخيراً لعبة الحرب وشروطها القذرة ولم تعد لتصيبني بالدهشة، إدراك سيجعلني أشد قوة في مواجهة سنواتها التي نعلم جميعاً انها ستطول..
فليهتف من يريد الهتاف، فقد بح صوت الكثيرين قبلهم، وانبطحوا أمام التاريخ وعلى مرآى من الحاضر..
من رفع شعاره الحوثي كان واع لما فعله، ومن القي اعذار للحكومة الفاسدة فاسد مثلها، ومن اعطي حزبه أو جماعته الحق في تخريب اليمن بحجج لا معنى هو في منتهى البساطة مخرب صغير يحمل آمال وطموح للنمو في عالم التخريب والجريمة..
لن ينتصر في هذه الحرب أحدا منهم، وفي ذلك رحمة من الله سبحانه وتعالى، فجميع سياسي اليمن ومن يدعون بأنهم نخبتها الواعية لا يملكون شروط النصر ولا يستحقونها..
كل ما علينا فعله هو التطهر من خطيئة ولاءاتنا السابقة " لغير اليمن" خلال البحث عن حياة مقبولة للعيش، ولا بأس من تزيين حالة انتظارنا بجمال خفي جاء الوقت أكتشافه،،،،
ريثما تجرف الحرب الغثاء العالق على سطحها..