صدر في الأردن أول كتاب يهتم بالومضة والشذرة بحسب ما أعلم باعتبارهما من الألوان الأدبية التي تميَّز به أدبنا العربي المعاصر ، وكنتُ بحمد الله أحد كتّاب "الومضة الشعرية" الذين حواهم هذا الكتاب الصادر عن منتدى الجياد الثقافي ضمن سلسلة "فضاءات الجياد" التي تهتم بالأدب العربي المعاصر بألوانه وأنواعه المختلفة .
يعدُّ هذا الانجاز علامة فارقة ستشكل فرقاً لدى الدارسين والمهتمين بالأدب العربي الحديث في ظل حالة جمود تعصف بالحالة الثقافية والإبداعية العربية ، ليس سببها المثقفون والأدباء والمبدعون العرب بالتأكيد لكن سببها المؤكد إنصراف الوعي والفعل الرسمي الجمعي نحو مآلات السياسة ولقمة العيش ، واستنزاف الوقت والجهد والمتاح من الثروات في هذه الحاجات ناسين أو متناسين حاجة العقول العربية لمواكبة التغيير بتحديث وتطوير تراثنا العربي الزاخز بالإبداع والتنوّع .
ماهي الومضة : الومضة لغة من وَمضَ وومضَ البرق ُ: لمع خفيفاً، وأومَضَتِ المرأةُ: سارقتِ النّظر، وأومضَ فلانٌ : أشار إشارة خفية .
وأما في الأدب فالومضة الشعريّة : لحظة أو مشهدٌ أو موقفٌ أو إحساس شعريّ خاطف يمّر في المخيلة أو الذّهن يصوغُهُ الشاعرُ بألفاظٍ قليلة .
وسانقل بتصرفٍ مقتطفات مما كتبه الدكتور حسين كياني؛ بالاشتراك مع الدكتور سيد فضل الله مير قادري حول هذا اللون الأدبي المدهش .
" الومضة هي وسيلة من وسائل التجديد الشعري، أو شكل من أشكال الحداثة التي تحاول مجاراة العصر الحديث، معبرة عن هموم الشاعر وآلامه، مناسبة في شكلها مع مبدأ الاقتصاد الذي يحكم حياة العصر المعاصر.
راجت الومضة في السبعينات من القرن العشرين وباتت تستقلّ بنفسها حتّي أصبحت شكلاً شعريّاً خاصّاً.
من أهم العوامل التي لعبت دوراً هاماً في نشأتها هي التحول الفكريّ والفنيّ ومتطلبات الحياة الجديدة والمؤثرات الأجنبية ، وقد كان لعزالدين المناصرة، قصب السبق في تأسيس هذا النمط الشعريّ؛ ومن روّادها بعده، أحمد مطر، مظفر النواب.
تتسم (الومضة) بالسمات العامّة للقصيدة الحديثة، منها: التفرد والخصوصية، التركيب، الوحدة العضوية، والإيحاء وعدم المباشرة وتنفرد بالاقتصاد في الايقاع والصورة واللغة والفكرة " (انتهى النقل)
وحتى لا نبالغُ حدّ الإسراف في تحديد زمن ظهور هذا اللون الأدبي فإن المُطالع لدواوين الشعراء العرب من مختلف العصور يجد أبياتاً متناثرة تمثل كل مجموعة منها وحدة أدبية متكاملة ، لكن لايمكن إعتدادها قصيدة شعرية وفق العرف الأدبي الذي حدد القصيدة فيما لايقل عن 7 أبيات ، وربما زاد بعضهم في هذا المقياس أو انقص .
هذه الأبيات التي نجدها متناثرة لم يحددها الشعراء أو النقاد بوصف أو لون ، وربما كانت أجزاء من قصائد فُقدت أغلبها ، مع أن الضابط في هذه الحالة الإعتداد بالوحدة الأدبية للأبيات ، والأهم أنّها ربما تشكل أرضية لوجود هذا اللون في الأدب العربي ماقبل المعاصر ، وتدحرُ شبهة قد يثيرها البعض عن أحقية الومضة بالاستقلال والظهور كلون أدبي مستقل ، شأنها شأن بقية الألوان الأدبية الأخرى .
ولأن أدبنا العربي بحر زاخر فسيظل المبحرون فيه يتحفون العقل العربي بصور وربما ألوان جديدة تتناسب مع عجلة التطور التي تغزو حياتنا في زمن العولمة الثقافية ، والفضاء المفتوح .
ما نحتاجه اليوم أن تتحرك الأصابع للإشارة إلى هذه الزاوية من زوايا الإبداع ، ومقاومة روح اليأس التي يخلفها الخذلان الرسمي وربما الشعبي ، والالتفات للجانب المشرق تماماً كما يحذو القائمون على منتدى الجياد الذي ينظم مسابقات سنوية تشمل جوانب وألوان الأدب العربي وبعض جوانب الفن ، وأجد مما يستدعي السعادة لديّ أنني حصدت المركز الاول في القصيدة النثرية في نسخة المسابقة للعام 2019م .
نماذج مما كتبته من هذا اللون الشعري :
ـــ 1 ــ على الواتسِ قالت "رائعٌ" ، قُلت : ربـمـا ولكنكِ الإبـــــــداعُ والسحــــــرُ والسبــقُ
وانتِ اخضرار العودِ إذْ كان قـــــد ذَوى ولمعــةُ ضــوءٍ لحظةُ الفجـرِ ينشـــــــقُُّ
وانتِ ابتسامُ الصبحِ في عتمةِ الدُّجى وزقزقةُ العصفــــــورِ تسلو بِهِ الـخَـلـــقُ
ـــ 2 ــ
"مبدعٌ" قالت ، وقلبي خفقا وانفعــاليــــن لـديَّ استـبــقــا
رجفةُ تسري على أروقتــــي وحديثٌ في لــساني اختنــقَ
انتِ إبــداعٌ كـــذا آنـستــــــي فِعلُ حَــرفي وذكاكِ اتـفـقـــا
ـــ 3 ــ
وتقتلني كل تلك المسافات مابين حرفٍ وحرفْ ونزفٍ ونزفْ وتحتاجُ روحي لجرعة صبرٍ تجاوزني بعض جمرِ الطريق الهي رجوتُك : كن لي الرفيق وكن لي المعينُ على كلِ ظرفْ