صوت متتابع مثل رشاش، تحمست له على سبيل السبق الصحفي، طويت أكمامي إلى فوق المرفق لأكتب: عاجل!
وقبل إتمام صياغة السطر، تبين أنه "قلاب كبير" منزوع الشكمان، تعطل في الطريق ويحاول صاحبه أن يصلحه ولم يفلح، لقد أفسد المزاج وهو يناديني: تعال ادهف.
الأخبار العاجلة تصنع الإثارة، تحقق السبق. كلما ازداد احمرار الخلفية وهجًا وزاد بنط الخط زادت أهمية الخبر. كم شدتنا الأخبار العاجلة المذيلة أسفل الشاشات، كانت أخبارًا توقظ النشوة وتحظنا على الفرح، من منا لا يتذكر شريط الجزيرة عندما تزين بهروب الرئيس التونسي زين العابدين.
لم يعد للأخبار العاجلة نفس الإثارة التي كانت تحظى بها من قبل. تحولت البلاد إلى جحيم. صارت هذه "العاجل" مثل مجنون يحاذي عتبة المنزل، يستوقفك أول الأمر، مع الأيام وبعد أن يعتاد الوقوف أمام العتبة تعتاد أنت عليه.
كل الأخبار تقول: مقتل.. سيطرت.. مقتل.. سيطرت..
لم تنفد رصاصات القاتل، ولم تنته أرواح القتلى. ولم تشبع المساحات من وهم السيطرة. قبل أيام صادفت غلاف الصحيفة الأسبوعية "لا" التي يصدرها الحوثيون، يتسيد الغلاف سعار التجييش الأهوج، كيف يصنعون لأنصارهم أفخاخ التهلكة بالتزاويق، وبالعناوين المصاغة بعاطفة الأديب المرتزق: اليمنيون يندفعون للاستثمار في جيزان ونجران!
بالصدفة أيضًا، شاهدت قناة المسيرة الحوثية، توقف الريمونت عند مقابلة لصالح الصماد، في أسفل الشاشة خبر عاجل: "فخامة الرئيس الصماد..." مقابلة مسجلة مع القط السمين الذي استأثر بحقين إخوته، تصنع منه أهمية عاجلة وتصفه بـ"فخامة الرئيس". عض البطاريات لم يوقظ عزم الريمونت بن الكلب. لم نتمكن من التحول إلى قناة أخرى، أطفأنا التلفاز.
الأخبار العاجلة أسهل من شرب الماء في زمن المليشيا، مع تعدد وسائل الاتصال صارت عادية، عاجل في الواتس آب، عاجل في الفيس بوك، عاجل في توتير، عاجل في التيليجرام، ولكل خبره العاجل.
عاجل عن الراتب، عاجل عن السيطرة، عاجل عن القيادي الفلاني، وألف عاجل عن ألف إشاعة.
بات الجميل خبرًا آجلًا.
في الحروب تزدهر المقابر وتورق الاشاعات.
في الحروب تمتلئ جبوب المثقف المرتزق مثل "ص د" ويتعس النزيه مثل "ح ع".
في الحروب للرمز معنى، وللنصر شارة.
* نقلاً عن يمن مونيتور