يوم جديد في مستهل عام جديد، لكن في الحقيقة، الأحداث العاصفة والدامية هي ذاها في اليمن، كما في سوريا والعراق وليبيا، ألغت الفاصل الوهمي الذي أقامته البشرية بين الأعوام والأشهر، فالأيام هي الأيام سوداء حالكة كالليل، ومخطط وأد الثورات العربية التي نقلت شعوبنا نحو فضاء واسع من الحرية، ما يزال قيد التنفيذ بالنوايا السيئة والأدوات والأموال ذاتها.
ودَّعَ اليمن عام 2016، وطوى معه عددا لا يحصى من الفرص المهدرة التي كانت يمكن أن تؤمن انتصارا سهلا على المليشيا الانقلابية، وتنهي السبب الرئيس لوجود الأزمة والحرب في هذا البلد وهو الانقلاب، حدث ذلك للأسف على الرغم من التراجع الكبير في قوة الانقلابيين ونفوذهم وسقوطهم السياسي والعسكري والأخلاقي.
لم تتهيأ فرصة كما تتهيأ اليوم للانقضاض على العاصمة صنعاء وللإجهاز على الانقلابيين، الذين بلغوا مرحلة من التضعضع، لا تمنعهم من السقوط سوى بقاء مؤسسات الدولة وصلاحية التحكم بأرزاق الناس في أيديهم، وهذه السلطة لن تزول مالم يتقدم الجيش الوطني المقاومة وبإسناد من التحالف صوب صنعاء.
ولم يعد مفهوما بقاء تعز حتى اللحظة ساحة كرٍّ وفرْ بين الجيش الوطني والمقاومة من جهة، وتحالف المخلوع صالح والحوثي الانقلابي من جهة أخرى.
ويبدو من المعيب حقا أن تستمر حالة الفصل المتعمد لهذه المحافظة المقاتلة عن الهيكلية العسكرية للجيش الوطني، وبقائها معزولة كما لو لم تكن جزءا من استراتيجية استعادة الدولة، على الرغم من الأهمية الجيوسياسية لهذه المحافظة التي تتحكم بمضيق باب المندب، والتي تحتوي على أكبر كتلة "سنية" في اليمن، مشبعة بروح الانتماء لليمن وللأمتين العربية والإسلامية.
ويتساءل المرء لماذا هذا التفريط بالكتلة البشرية ولماذا هذا التواطؤ الذي نراه للنيل من تعز وأهلها.
وتعد تعز أحد المحاور العسكرية التابعة للمنطقة العسكرية الرابعة ومقرها عدن، ولكن هذه المنطقة تم تحييدها تماما، ولم يعد لها علاقة بمحافظة تعز، وبدا الأمر كما لو كان ما يجري في هذه المحافظة، صراعا خارج الحدود، خصوصا بعد أن جرى إيقاف التقدم العسكري من جهة عدن ولحج باتجاه تعز، التزاما بالحدود الشطرية السابقة، على نحو يحقق الاتفاق غير المعلن بين حليفي طهران في اليمن: الحوثيين وفصائل رئيسية في الحراك الجنوبي.
وعلى الرغم من عودة العمليات العسكرية في أخطر الجبهات على مصير ووجود الانقلابيين، وأعني بها جبهة "نهم" الواقعة على بعد 20 كيلو متر إلى الشرق من العاصمة صنعاء، إلا أن ثمة شكوك في أن التحالف العربي يمكن أن يتجاوز الخطوط الحمر التي رسمتها واشنطن حول العاصمة صنعاء.
في الحقيقة، لا يتعلق الأمر بالنسبة للتحالف العربي بالخطوط الملونة، بل بمخاوفه ربما من الحسم الذي يفضي إلى عودة قوى ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011 إلى واجهة السلطة في اليمن بعد التحرير.
لذا يشعر المراقب بالقلق حيال تكرار التنشيط العسكري لجبهة نهم لدوافع لا علاقة لها بإسقاط صنعاء، بل على الأرجح بترتيبات الوضع على الحدود اليمنية السعودية، وبمحاولة فرض صيغة تهدف إلى تطويع عملاء إيران في صنعاء ليكونوا أكثر مرونة حيال النفوذ السعودي.
ومبعث القلق يأتي من أن تتجه الأمور إلى نوع من الاستنزاف المعنوي لمقاتلي الجيش الوطني والمقاومة، ومن إمكانية وصولهما إلى مرحلة اليأس وفقدان الثقة بالتحالف وبالحكومة.
مضى عام 2016 بقدر هائل من التفريط بالفرص المتاحة أمام الحكومة والتحالف، فالنصر العسكري المتاح لم يتحقق بشكل كامل.
تأخر الرئيس هادي وحكومته أكثر من عام ونصف حتى أخرجا البنك المركزي من دائرة نفوذ الانقلابيين وسيطرتهم، ومنذ تلك اللحظة حدث التدهور المتوقع في نفوذ الانقلابيين وانهارت مصداقيتهم، وبلغ الوضع الاقتصادي حدا لا يحتمله معظم الناس، خصوصا الفقراء ومحدودي الدخل.
كان الانقلابيون يتصرفون بالمالية العامة للدولة كما يحلو لهم، فجزء منها كان يذهب مرتبات ولتأمين مرتبات جديدة للآلاف من الذين تمت إضافتهم إلى الجهاز الإداري المتخم بالبطالة المقنعة، وإلى المؤسسة العسكرية والأمنية، أما الباقي فيذهب لدعم المجهود الحربي، ولتغذية فساد ربما لم تشهد له اليمن مثيلا من قبل، ومع هذا الفساد كان يجري وقف المرتبات على المئات من موظفي الدولة، خصوصا أولئك الذين يعارضون الانقلاب.
أربعة أشهر مضت منذ فقد الانقلابيون السيطرة على البنك المركزي، ولم يتسلم موظفو الجهاز الإداري للدولة في المناطق التي تقع تحت أيدي هؤلاء الانقلابيين رواتبهم.
وتظهر التعليقات التي ترصد في مواقع التواصل الاجتماعي إلى أي مدى بلغ الاحتقان لدى الموظفين ولدى عموم اليمنيين.
وبحلول اليوم الأحد، ستدخل كبريات الجامعات اليمنية إضرابا مفتوحا عن العمل، بسبب عدم صرف المرتبات، ولا حلول متاحة لدى سلطة الأمر الواقع في صنعاء لتجاوز هذا المأزق.
وإلى جانب الإخفاق الهائل في إدارة سلطة الأمر الواقع من جانب الحوثيين وحليفهم صالح، لم تتوقف الانتهاكات اليومية التي يمارسها الحوثيون بحق اليمنيين، التي تتجلى في أبشع صورها في الشحن الطائفي وفي المحاولات المستميتة لفرض التصور الشيعي المتطرف للإسلام بكل ما يعنيه من قطع مع إرث الأمة وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأكثر الصحابة الذين ينالهم النقد والتجريح والشتائم عبر المساجد في صنعاء خليفة رسول الله أبو بكر الصديق وأمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله وأمير المؤمنين عثمان ابن عفان رضي الله عنهم وأرضاهم.
ويوم الجمعة الماضي، تعرض شاب للضرب المبرح حتى سالت دماؤه، وتم اعتقاله وتغييبه حتى اللحظة، عندما حاول بأسلوب لا يخلو من الاستنكار لفت نظر أحد الخطباء المحسوبين على مليشيا الحوثي الشيعية، بأنه لم يعد أحد من المصلين موجودا في المسجد، وكان معظم الناس قد انسحبوا بالفعل من جامع "حجر" وسط العاصمة، بسبب النبرة الطائفية في حديث خطيب الجمعة.
اليمن نقطة اختبار أخرى لمصداقية العرب، وفي حين تتوفر كل الفرص للحسم على قاعدة الحفاظ على الهوية الجامعة للأمة في هذا البلد، يجري التفريط بهذه الفرص، دون اكتراث بالمخاطر المحدقة التي قد تجعل اليمن إحدى الساحات المفتوحة للصراع الإقليمي والدولي.
كل عام وأنتم بخير..
* عربي 21