كنا نثق أن المجلس السياسي الذي اخترعه قطبا التمرد اليمني «الحوثي والمخلوع» لن يكون هو آخر المناورات للالتفاف على طروحات الحلول السلمية، لأن هذا القطب يفتقر لأبسط أدوات الشرعية، بحكم أن أحد هذا الثنائي هو من قام الشعب اليمني بثورته ضده لإزاحته عن السلطة بعد 33 عاما من الاستبداد، والآخر مجرد شريحة غير وازنة على الصعيد السكاني، تمت تعبئتها من قبل أطراف خارجية معروفة لاستخدامها في أجندات محددة، ولأن طرفي هذا الثنائي لا تتوافر لهما أي شرعية من أي نوع فقد كان رهانهما دائما على الوقت، وعلى ربط العقدة تلو الأخرى، وهو ما أفصحتْ عنه خطوتهما الأخيرة بتشكيل حكومة مناصفة بينهما برئاسة الحبتور، وهي لعبة في غاية السخافة، خاصة وأن المجتمع الدولي رفض الاعتراف بكل الكيانات التي شكلها التمرد منذ قيامه، ولكنهم يلجأون إليها كإحدى أدوات اللعب لكسب المزيد من الوقت في ظل تراخي الأمم المتحدة في احترام قراراتها، والإصرار على التعامل مع المتمردين كشريك في الحل السلمي الذي يزداد ضبابية يوما بعد آخر بفضل مثل هذه المواقف الاستخفافية التي يمارسها المتمردون.
لكن المشكلة ليست هنا، ولا في إعلان هذه الحكومة الساقطة التي يرفضها اليمنيون جملة وتفصيلا، إنما المشكلة أن المؤسسة الدولية التي تقوم بدور الوسيط، وتصر على الحل السلمي، حينما تتغافل عن إعلان هذه الحكومة فإنها بالنتيجة تعطي الذريعة لاحقا لأي تمرد وأي ميليشيا تختطف السلطة في أي مكان في العالم، لأنها تغطيها من حيث لا تدري، فالقضية لن تتوقف عند الحوثيين والمخلوع الذين اختطفوا السلطة في اليمن، بل اغتصبوها، ومارسوا أحقر أنواع الاستخفاف بالمقررات الدولية، وذهبوا هنا وهناك ليجعلوا المبعوث الدولي ما إن يفرغ من فك عقدة، حتى يكونوا قد أبرموا أمامه عشرات العقد الجديدة، ليظل يراوح مكانه، إن لم يعد في كل مرة للمربع الأول، وعلى حساب المواطن اليمني الذي أضير في أمنه وفي لقمة عيشه، وأصبح نهبا للأمراض وكل موبقات الحرب والحصار.
هذه الحكومة كسابقة خطيرة في أنماط الصراعات، ليست حكومة فصيل شرعي له حيثيته وشرعيته، وإنما هي حكومة استفزاز وتحد ليس لليمنيين والتحالف وحسب، وإنما هي تحد للمجتمع الدولي، الذي يجب- إن لم يكن قادرا على إلزام قوى التمرد بالإذعان لمعطيات القرار 2216- أن يحجم عن إرسال مبعوثه اسماعيل بن الشيخ لأنه لن يكون بوسعه أمام هذا التحدي السافر لمجلس الأمن والأمم المتحدة من قبل المتمردين سوى أن يطوي ملفات وساطته كل مرة، ليفتح ملفا جديدا لمناقشة الحماقات الحوثية الجديدة، التي أصبحتْ تشبه لعبة السلّم والثعبان بفضل تلك المناورات التي تؤكد أن هذه القوى الانقلابية إنما هي مجرد عصابة ظلت تحتفظ بالعاصمة اليمنية كرهينة، فيما هي تساوم على الوقت الذي ستمضيه في السلطة لنهب الوطن اليمني، إلى ألا يبقى هنالك ما يمكن نهبه، وحينئذ ربما تذعن للتفاوض، وهو ما يجب أن يعيه المجتمع الدولي الذي لم يبد في تعامله مع القضية اليمنية من الجدية ما يؤكد قراءته لواقع الخلاف، وأنه ليس خلافا بين فصيلين، وإنما هو فعلا خلاف بين الشرعية والتمرد، بين الوطن والعصابة.