د. عبدالعزيز المقالح
أسوأ ما في الحروب أن وقودها البشر، وأن أكثر ضحاياها من النساء والشيوخ والأطفال، وأن الذين عرفوا كيف تبدأ ولماذا بدأت لا يعرفون متى تنتهي.
وفي إشارة ذكية إلى مثل هذه الحال يروي الدكتور حسن مدن في واحدة من يومياته البديعة في «الخليج» ما يشبه النكتة العميقة ذات الدلالات الأعمق، وموجزها يشير إلى أن سائق رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ونستون تشرشل سأل رئيسه متى تنتهي الحرب، فأجابه تشرشل فوراً وباقتضاب شديد، إذا عرفت أنت متى تنتهي الحرب تعال وأخبرني، ليست نكتة على الإطلاق ولكنها الحقيقة في ثوب النكتة، وهي تؤكد بوضوح أن أولئك الذين يبدأون الحروب أو يشاركون فيها لا يدرون لها نهاية فقد أوجدت لها أنصاراً ومتحمسين ومستفيدين. وما يقال عن تجار الحروب هو من الحقائق الثابتة ولا مكان معه للخيال أو التخمين. وما تتعرض له بعض أقطارنا العربية من إطالة زمن الحروب لا يخرج عن هذا النطاق.
كل حرب لا بد أن يكون لها هدف وأن تكون لها نهاية وإلاَّ فإنها ستطول وتتوالد وإذا تأخر زمن رفض أوزارها فإنها تكون قد أكلت الأخضر والجميل من الناس والمنجزات. وربما تحولت إلى حالة يومية يتبلد معها إحساس المحارب وإحساس المواطن وهذا الأخير هو الذي يقع على عاتقه العبء الأكبر. وقد تصبح الحرب إذا ما طالت جزءاً من الحياة البائسة التي يفتقد معها الناس الأمل في إيقافها ولا أمل معها في مستقبل قد يكون من أبرز شعاراتها ذلك القول غير المأثور:«من مات شهيد ومن عاش سعيد» أي سعادة لمن يموت قهراً وقبل الأوان؟ وأي سعادة لمن يبقى على قيد الحياة بعد ما تكون الحروب قد أكلت كل جميل في البلد الذي أحببناه وعشقنا أشجاره وأحجاره وأناسه وعصافيره، بحره ورماله، وهذا ما لا يفكر فيه السياسيون المتنازعون على السلطة التي لا تساوي قطرة دم واحدة من مواطن بسيط يبحث عن الرغيف ويجاهد لكي يصل إليه.
يقول بعض من أولئك الذين يقرأون التاريخ الحديث بقلوب لا نبض إنساني فيها ولا وعي لديهم بحقائق التاريخ إن الوطن العربي يشبه في حالته الراهنة حالة أوروبا في القرن التاسع عشر، وأنه مقبل على حروب مماثلة لتلك الحروب التي شهدتها الشعوب الأوروبية في ذلك القرن التعيس، وهو قول يتنافى مع حقائق الواقع والتاريخ ولا يعكس سوى الوعي الزائف والمغلوط، فالحروب التي شهدتها أوروبا لم تكن بين أبناء شعب واحد بل كانت تتم بين شعوب مختلفة اللغات والقوميات، وكانت حروباً خارجية وكان كل شعب يحارب لكي يحمي وطنه ويضمن استقلال الدولة الوطنية وهو على عكس ما يحدث في الوطن العربي الواحد والموحد لغة وتاريخاً وأحلاماً ورؤى، بالرغم من الاحتلال وحالات الاستلاب وما تركه الاستعماريون من تخريب في القيم ومن محاولات لطمس الهوية المشتركة فضلاً عما يتم بذله من جهود لتشجيع العابثين ودعاة التفتيت والتجزئة الذين يتوالدون كالفطر في مستنقعات الطائفية والانتماءات الضيقة واللا وطنية واللاإنسانية، وهم وراء كل المعوقات والصراعات الدائرة في هذا القطر العربي أو ذاك، ونشاطهم المخزي يعكس الصورة الشوهاء عن الوطن الحالم الكبير.
ولا أخفي أن الأمل منوط بالأجيال الجديدة التي لا أشك في أنها ستعي تماماً أبعاد ما حدث ويحدث وأنها ستدرك بالضرورة أن الخلافات التي تؤدي إلى الحروب بين الأخوة ينبغي أن يتم احتواؤها قبل أن يتسع نطاقها ويستشري وتتحول إلى مواقف مخيفة لا تؤدي إلى الحروب فقط وإنما إلى ما هو أسوأ منها، وليس أسوأ من الحروب سوى ارتفاع درجة الأحقاد والضغائن بين الأشقاء وما يصدر عنها من تبادل الاتهامات والخروج بوسائل الإعلام عن الدور المرسوم لها في الارتقاء بالوعي، وحماية الإنسان العربي من السير إلى المجهول.
نقلا عن الخليج