علي البخيتي
تفتح وعيي في أسرة مسيسة من رأسها حتى أخمص قدميها، نقاشاتنا منذ الطفولة سياسية، جدي لأمي القاضي المرحوم عبد الله الضوراني يساري قديم وتعرض للاعتقال أيام الشهيد الحمدي ومرة أخرى في عهد الرئيس السابق صالح بسبب منشوراته التي كان يكتبها ويوزعها في مدينة ذمار وبالأخص في المؤسسات الحكومية، وعندما ضاق به الحال فر إلى قريتنا الملحاء بمنطقة الحداء وكان سنه قد تعدى الثمانون عاماً وقتها، وخالي محمد علي الضوراني ناصري وحكم عليه بالإعدام بعد محاولة الانقلاب على الرئيس صالح في نهاية السبعينات، ومن ثم تم الإفراج عنه، وعمي الشهيد علي قايد البخيتي درس في القاهرة وعاد منها ناصرياً واستشهد في أحداث 67م في حصار السبعين حيث كان من ضمن المقاومة الشعبية.
تربينا على الجدل والنقاش، وغالباً ما كانت تنتهي نقاشاتنا إلى الصياح لكنها لا تصل إلى العراك، ومنها اكتسبت خبرتي في الحوار والنقاش، كان الهم العام والوضع السياسي للبلد هو الشاغل لنا، وكنا نتنقل من حركة إلى أخرى ومن تيار إلى آخر، وسبب تلك التحولات هو أننا نشأنا على الحرية في التفكير وتعودنا على أن نُخضع كل شيء للعقل بما فيها الدين، وأتذكر أنني أكملت قراءة الأناجيل الأربعة قبل أن أكمل قراءة القرآن، وكان ذلك في بداية التسعينات.
دفعني لقراءة الأناجيل سؤال ظل يلاحقني منذ الصغر وهو: هل نحن مسلمون باقتناع أم بالوراثة؟، لذلك بدأت رحلتي في البحث عن الأديان مبكراً، وسأكتب عن تلك الرحلة في مقالات قادمة لأن فيها محطات تستحق التوقف عندها ومنها تجربتي في الحزب الاشتراكي وتجنيدي في معسكر باصهيب قبيل حرب 94م بأشهر.
وإذا ما تحدثت عن انتمائي لأنصار الله - مع انطلاق مؤتمر الحوار الوطني- فقد جاء من بوابة السياسة لا من بوابة الدين، بمعنى أني أعجبت بشعاراتهم السياسية الرافضة للوصاية الأجنبية ولاستبداد مراكز القوى والنفوذ والتي تطابق الشعارات التي تربينا عليها في الحزب الاشتراكي وان اختلفت الألفاظ والمنطلقات، فأمريكا حاضرة لدى التيارين، لكنها توصف في المدرسة اليسارية بالإمبريالية وبأنها مركز الرأسمالية المتوحشة والداعمة للدكتاتوريات، ومن أنصار الله بأنها الشيطان الأكبر ورأس أئمة الكفر.
العقد الذي بيني وبين أنصار الله هو الرؤية السياسية – للقضايا التسع- التي قدموها في مؤتمر الحوار والتي كنت شريكاً فاعلاً في صياغتها لا الرؤية الدينية التي تضمنتها ملازم الشهيد حسين الحوثي والرؤية السياسية الزيدية للحكم، ولقد كنت واضحا معهم منذ البداية، وكل كتاباتي وحواراتي كانت على هذا الأساس.
لذلك فأنا لا أجيد الحديث معتمدا على التنظيرات الدينية، وآخر مرة تكلمت في السياسة معتمدا على الموروث الديني كان قبل حوالي عقدين ونيف عندما كنت وهابيا، وبعدها انتميت للحزب الاشتراكي اليمني على يد أستاذي عايض الصيادي، ومن لحظتها حصلت لي قطيعة تقريبا مع الموروث الديني عدى ما درسته في كلية الشريعة والقانون وبعض الكتب التي قرأتها مجبراً – لعدم توفر غيرها- في سجن الأمن السياسي في العام 2008م.
الانتماء للحزب الاشتراكي ودراسة كتب اليسار لا يدخلك في خصومة مع الدين نفسه، لكنه يدخلك في خصومة مع المفهوم الديني للحكم والدولة، ويجعلك تميل إلى فصل الدين المسيس عن الدولة.
توصلت إلى قناعة مفادها أن إخضاع السياسة والدولة للدين معناه إخضاعهما للموروث الديني بكل ما فيه من خزعبلات وأكاذيب وافترأت - يعترف بها الكثير- وتأويلات مسيسة ومتناقضة، ومنتهى ذلك حروب وصراع وفتن على السلطة بعناوين مذهبية مُختلفة.
لا احد يطالب بفصل المبادئ العامة للدين الإسلامي عن الدولة ولا عن السياسة فكلها مبادئ إنسانية تجمع عليها كل الشرائع والأديان تقريبا، والمطلوب هو فصل التأويلات الخاصة المذهبية لطريقة الحكم عن الدولة والسياسة لأنها المدخل للصراع والحرب والفتنة وبالأخص في البلدان ذات التنوع المذهبي كاليمن.
ما سبق محطات من رحلة طويلة مع السياسة والفكر سيأتي الوقت الذي أكتب عنها باستفاضة.
عن: الأولى