مروان الغفوري
كانت مجلة تشارلي إيبيدو تصدر أسبوعياً "60 ألف نسخة". سخرت المجلة من كل شيء على وجه الأرض، بتعبير واشنطون بوست.
خلال ساعات ستصدر المجلة عدد "مليون نسخة" وسيشارك كبّار فناني الكاريكاتير في العالم، تطوّعاً، في ملء صفحاتها.
يعاني المسلمون في أوروبا من تنامي هيمنة اليمين والإسلاموفوبيا. أما الحادث الراهن فصب مقادير ضخمة من "البنزين" إلى نيران الإسلاموفوبيا المشتعلة في أوروبا.
بينما كنتُ أستمع إلى محلل ألماني يتحدث عن ما يمكن أن تفعله فرنسا في المستقبل، أصبت بذهول لدقائق. قال إن الفرنسيين يتحدثون عن إمكانية فرض حصص مدرسية في الموسيقا الكلاسيكية والفنون على التلاميذ المسلمين.
أي: تطويع هذه السلالات البشرية المتوحّشة.
في الصورة نفسها نقلت الجزيرة نت تعليقات لبعض القرّاء من موقع صحيفة اللوموند. كتبت قارئة فرنسية تقول:
إذا صح أن الذين نفذوا العملية صرخوا "الله أكبر" قبل تنفيذها فنحن نتوقع أن يخرج كل المؤمنين بهذا الشعار إلى الشوارع مندّدين بالجريمة.
لكن الأزهر لم يفعل. شيوخ الخليج لم يفعلوا. أئمة مئات آلاف المساجد في العالم الإسلامي لم يدينوا الجريمة هذا النهار، الجمعة. أو على استحياء قالوا كلاماً لا يقول شيئاً.
في الخليج وفي مصر تحاصر الأنظمة الحاكمة "الإسلاميين الديموقراطيين" مفسحة المجال لنمو نوعيات رهيبة من الإسلاميّات، تلك التي تخلق المتوحشين الجهاديين والقتلة. بينما تغض فرنسا، والغرب إجمالاً، الطرف عن قمع الإسلام الديموقراطي ورعاية الإسلام الأصولي الموحش، والصحراوي، تقع هي فريسة تلك الازدواجية القاتلة.
في اليمن، على سبيل المثال، كانت فرنسا تقيم جسوراً ما مع حركة إرهابية شعارها الرسمي "الموت لأميركا" وفشلت على مر السنين في أن تدين شعاراً يطالب بقتل الغربيين، على الأقل على المستوى النظري الإيديولوجي، معتقدة أن تلك الحركة ستصب الموت فقط على قرى اليمنيين.
قتل 12 صحفياً في مبنى مجلة في باريس على يدي شابين مسلمين، كما تشير التحقيقات الأوّلية. لكن الضربة التي وجهت إلى الإسلام نفسه كانت مدويّة، ووحشية.
من بين كل الجهات، والأديان، والجماعات التي سخرت منها المجلة خلال عمرها لم يلجأ إلى السلاح سوى المسلمين.
لقد لجأوا إلى السلاح وقتلوا الصحفيين في محاولة منهم لإثبات خطأ المجلة التي قالت في 2006 إن محمداً أسس ديناً عنيفاً!
أي عملية إحصائية ستجرى الليلة ستكشف نتيجة مروعة حول تدهور صورة الإسلام في العالم كلّه عقب الحادثة. ولا توجد إهانة وإضرار بالإسلام، حالياً، أكثر من تلك الصورة التي تخرج ملايين المرات على مدار الساعة من باريس ثم تغمر الكوكب.
لم نر مظاهرات في العالم الإسلامي تندد بالجريمة وتوقد الشموع وتدين العنف والإرهاب.
لم نسمع عالماً دينياً من الوزن الثقيل يخصص ساعة كاملة لإدانة ما جرى، بالرغم من إن الإسلام نفسه يتعرض لعملية هدم وتشويه منذ الحادثة الإجرامية.
على الأقل: دفاعاً عن الدين وعن محمّد!
فمحمد، بفعل الحادثة، يعرض الليلة في كل العالم كنبي مسلّح جاء بكتاب في فن الحروب، وأنه من السهل أن تعثر في الأدبيات التي جاء بها على تلك النصوص التي تبيح لك دم العالم وماله وأمنه.
مجلة le point نشرت في عددها الأخيرة سيرة محمد التي لا نحب أن نسمعها. قدمته للأوروبي:
محمد المحارب، الصامت، الميلانخولي. أي المثير للرعب والهلع.
في الثلث قرن الأخير ظهرت موجة إسلاميين إصلاحيين في السعودية والخليج. كان خطابهم يدعو إلى التسامح مع العالم، ومزيد من الحريات الاجتماعية. حاصرتهم الأنظمة الخليجية وتوعدهم الوليد بن طلال علناً. بالموازاة استمرت تلك الأنظمة في رعاية النسخة الصحراوية من الدين، خطاب الولاء والبراء والقطيعة والفسطاطين، والحق والباطل. كل يوم يمضي يضخ المشائخ دفعات جديدة من المجاهدين المحتملين والمجاهدين الجاهزين إلى سمائنا. بينما نغدو نحن أكثر خوفاً، ومليئين بالعار. ويفقد الإسلام نقطة نور جديدة.
لم يخرج المسلمون لإنقاذ صورة محمد، وصورة الإسلام. فهم يدافعون عن الرجل بطريقتهم الخاصة:
عندنا يقول رجل إن محمداً إهاربي عليك أن تقتله لتثبت العكس!
قبل نصف عام من الآن كتب البروفيسور حبيب سروري مقالة قصيرة أشار فيها إلى دراسة أجريت على مجموعة من طلبة المدارس المسلمين. قرأت عليهم نصوص من خطاب لابن لادن من دون علمهم بأن النصوص للأخير. سئلوا عن رأيهم حول ما سمعوه فكانت النتيجة مخيفة وموحشة:
قال 89% إنه خطاب رائع يشبه ما يسمعونه في بيوتهم وما يتعلمونه في كتبهم.
قال 4% إنه خطاب مخيف ومرعب.
بينما قال 7% إنهم لم يفهموا السؤال "اعط رأيك حول ما سمعته".
انقذوا هذا الدين من رجاله ومن المؤمنين به.
م. غ.