عبدالواسع الفاتكي
توالت على اليمن أزمات سياسية واقتصادية، مزقت جسده الاجتماعي وبناه التحتية، وأهدرت مقدراته المادية والبشرية، في حروب عصابات الهوس بالسلطة، والاستئثار بالثروة، والتي ما فتئت تغلب العنف؛ لإقصاء الآخر، وفرخت حولها حواشي عسكرية وإدارية وسياسية، انحصرت مهمتها في اغتيال الإرادة الشعبية وتطويعها؛ لخدمة الفرد الحاكم وعائلته، وفي خلق تعقيدات أو أزمات مصطنعة وخاطئة، ترمي منها، أن تظل المعادلة السياسية اليمنية غير موزونة، ولا تنبئ بتغييرات جادة، تصب في مصلحة الشعب اليمني.
مارست تلك العصابات خطابا مزدوجا، تتشدق فيه بحب اليمن، وتلبس من خلاله رداء الوطنية، متهمة الآخرين بالعمالة والخيانة، وهي في الوقت ذاته، تسعر مرجل الدمار، والقتل والقمع المروع، وتمارس تضليلا إعلاميا، تقوم به منظومة إعلامية ضخمة، يساندها مجموعة من المنتفعين، المحسوبين على الوسط السياسي والثقافي؛ لتزوير الحقائق، وطمس الواقع، والتغطية على غاياتها واتجاهاتها، الرامية لاغتيال الدولة، ونشر الفوضى ومخرجاتها النازفة، كل هذا لتبقى الأصولية العصبوية الجهوية، في سدة السلطة، دون كوابح صارمة أو محددات قانونية، تحفظ لليمنيين الحد الأدنى من الحقوق.
العمل السياسي في اليمن، في نظر قوى التسلط والفيد ليس وسيلة، لكنه غاية يقتل من أجلها آلاف اليمنيين؛ قربانا لأشخاص أو أسر، وليس ترجمة تنفيذية، لرؤى تحترم خيارات الشعب اليمني، وتأخذ بيده نحو التنمية والاستقرار، وليس وجهات نظر تختلف وتتصارع؛ لتترك للشعب اليمني أن يقارن ويستنتج ويحكم، بل هو وجهة نظر واحدة تلقينية، تقطع الطريق على التفكير الحر والرأي المستقل، يطلقها أصحاب المصلحة فيها، وعلى اليمنيين أن يرددوها كما هي، وإلا نالهم ما لا يحمد عقباه، وتقف سدا منيعا، أمام تسهيل عبور الرؤى الوطنية، ووصولها للناس، ساعدها في ذلك مأسستها للفساد، وتشويهها للوعي الوطني، ودعمها للمشاريع الصغيرة القبلية والجهوية، وهذا يفسر عداءها ورفضها المطلق، لأي مبادرة وطنية تأتي من خارج دوائرها.
أصبح اليمن اليوم يتصدر تقارير المنظمات الدولية، في الفساد وانتهاك حقوق الإنسان، والتدهور المريع لمستوى معيشة المواطن اليمني، واتساع نطاق الفقر، ناهيك عن ملايين اليمنيين العاطلين عن العمل والمهجرين، ولايعود مسؤولية ذلك، لشحة الموارد الاقتصادية، بل للسياسات الاقتصادية الخاطئة، ونهب الثروة الوطنية، والسطو على العام، والذي جرى بصورة مدروسة؛ بالاستناد لقاعدة توزيع الريع، على الولاءات الشخصية وجماعات المصالح؛ بهدف إدامة الاضطراب السياسي؛ لتخلو الساحة اليمنية لمافيا الفوضى المسلحة، التي يقودها الباحثون عن المناصب والثراء غير المشروع، والذين يقفون بالمرصاد، لكل وطني حر يأبى نهجهم، ويرتكبون مجازر دموية وجرائم ضد الإنسانية، يبررونها بالقضاء على مرتزقة العدوان السعودي على اليمن، وبشعار مكافحة الإرهاب أو الدعوشة، الذي أصبح مدعاة للسخرية، في ظل اغتصابهم السلطة بقوة السلاح، ونهجهم الإقصائي المليشياوي، وممارستهم الجريمة السياسية المنظمة.
وبالرغم من الظروف المأساوية، التي مر ويمر بها الشعب اليمني، والتي جعلته قابعا في مستنقع الجهل والبؤس والتخلف، وبالبرغم من التركة الثقيلة، التي ورثها من نظام المخلوع علي عبدالله صالح، التي أدت إلى انهيار شامل، طال جميع نواحي حياة اليمنيين، إلا أن هذا الشعب الصابر الصامد، الغني برصيده النضالي ضد الاستبداد والاستعمار، مازال متمسكا بآماله، في وصوله لتغيير سياسي حقيقي، يلبي تطلعاته، ويفضي إلى تغيير اجتماعي وثقافي، يتسم بدرجة عالية من الوعي بالمجمتع اليمني، وما يحتاجه، وسبل التخلص من تناقضاته، ويقودنا لدولة مدنية، يتساوى اليمنيون أمامها في حقوقهم وواجباتهم.