احمد الضحياني
ليست الثورة تحرّراً من الظلم نحو العدل، وانعتاقا من العبودية نحو الحرية، والتطهر من الأنظمة الاستبدادية والكهنوتية، فحسب، بل تتسع وتذهب إلى أبعد ذلك، إنها ثورة نحو الفكر والمعرفة، نحو الأدب والثقافة، ثورة تطلعات الشعوب نحو الإبداع والتمكين وتحقيق الشهود الحضاري واستلهاما للكينونة.
نعم، يجب أن تكون إلهاما نحو الفكر والممارسة على قاعدة العمل الجماعي القائم على المعرفة، فهي (الثورة) تطلق طاقات التغيير الفردي والجماعي لبناء المجتمع الجديد والدولة الحديثة، وهي إعادة تشكيل العقل الإنساني والتصور الإيجابي، حتى يجد الإنسان ضميره ووجدانه في اتحاد دائم، لينتقل إلى العمل في ميدان الفكرة والتخطيط ويستلهم الأجر والمسؤولية، وأداء الواجب لاستمرار الإنجاز وتحقيق الأهداف.
ليست الثورة نظاما سياسيا، حتى وإن كان من أهدافها الرئيسية تغيير نظام الحكم، بل هي حالة تصنع التغيير، وتضع اللبنات الأولى للمشروع الوطني السياسي، وفقا لأهداف الثورة ومبادئها، وبهذا يصبح النظام السياسي للثورة مشروع الدولة الذي يعتبر الهدف الثاني للثورة، بعد تغيير النظام الاستبدادي.
الثورة "حالة" تتمثل بميلاد مجتمع جديد واسع الثقافة، نامي الخصائص، متقد السمات، وتجاوز الحالة "الصبيانية" التي سوقتها الأنظمة السياسية باللهاث وراء الأشياء، فالطفل حينما تعرض له الحلوى والمجوهرات لا شك أنه سيختار الحلوى الأقرب إلى عالمه، فالمجتمع الجديد تحرّر من الحالة "الصبيانية"، واختار "المجوهرات" وانطلق يصنع الأفكار.
في ثورة فبراير اليمنية، ثورة التغيير الشعبية في 2011، شهدت حالة المجتمع الجديد مختلف الشرائح الاجتماعية والشعبية، والتي تمثلت بالانضمام إلى الثورة رغم اختلاف الدوافع والأهداف فهي حالة إنقاذ.
لهذا اختلفت نسبة تمثل قيم الثورة واستيعاب أهدافها ومبادئها في شرائح المجتمع الجديد، وحضرت حالة (الحلوى) و(المجوهرات) في مختلف الشرائح. وهناك من يرى أنها دخلت في مسار جديد "قيمي" ظالم ومقتصد وسابق بـ"الخيرات"، وزمني (جدل اختلاف في طرق ووقت الحسم الثوري)، فوجدت الثورة المضادة التي قادها نظام المخلوع علي عبدالله صالح فرصة لتشوية صورة الثورة، بتشوية صورة المنضمين لها عبر أدوات التخدير والتضليل والتعليب الإعلامي.
على الرغم من التفاصيل والأحداث التي رافقت ثورة الـ 11من فبراير2011، أجد أنها فرصة، ونحن نحتفل بذكراها الخامسة، أن ثورة فبراير، بقيمها وأهدافها ومبادئها المكملة لثورتي سبتمبر وأكتوبر فضحت من حاول الادعاء والالتصاق بها، فبقيت الثورة بمشروعها الوطني الجامع، وانتهت تلك الفصائل إلى التحالف مع النظام الذي قامت ضده ثورة فبراير، وانتهت تلك الفصائل بمشروعها الفارسي والطائفي إلى مليشيا مارست جرائم القتل والتدمير والتفجير وأعمال الاختطاف والاعتقال والتعذيب بحق الشعب اليمني، وهاهو اليوم الشعب اليمني ثائر مقاوم، بمختلف شرائحه واتساع رقعته الجغرافية، يطوي معا صفحة نظام قامت ضده ثورة فبراير في2011 ومليشيا مسلحة تحلم بالعودة إلى الإمامة ومطية للمشروع الفارسي الإيراني، مارست أبشع صور الانتقام بحق اليمنيين.
نحتفل بالذكرى الخامسة لثورة 11 فبراير 2011، وثوارها الحقيقيون هم اليوم كتلة الثورة مقاومين للانقلاب في جبهات مختلفة .
*العربي الجديد