عبدالواسع الفاتكي
القراءة الموضوعية للواقع اليمني ، لابد أن تأخذ منحى تفكيك مفردات الواقع المأزوم والشائك والمعقد ، الناجمة من قوى عصبوية متسلطة ، تسعى بمنطق التغلب بالعصبوية والجهوية ، وبسيكلوجية القهر وثقافة العنف ، وبفائض ما امتلكته من قوة من قوت ملايين اليمنيين ؛ لفرض حكمها وإدارتها لشؤون اليمن ، بما يتفق مع أهدافها ، ويجسد مصالحها ، التي تقف على النقيض من مصالح الشعب اليمني ، ما يجعل أزمة الحكم ، هي الملمح الرئيس في المشهد اليمني ، وستظل كذلك ، حتى يتوصل اليمنيون لاتفاق لصيغة جديدة للحكم ، لاتقتصر على معالجة شكل الحكم ، وطريقة الوصول إليه ، بل تتناول عقلية الحكم ، التي لايقصد بها عقلية الحكام ، بل آليات نظام الحكم في ممارسة سلطاته وحدودها.
عند وقوفنا بهدوء وتمعن على الوضع اليمني ، قبل ثورة 11 فبراير 2011م وبعدها ، نجد بما لايدع مجالا للشك ، أنه لم يجر أي تعديل في مسار نظام الحكم في اليمن ، وتوجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولايعني ذلك أننا في صدد ، تبرير إخفاق الربيع اليمني ، في الوصول لأهدافه ، التي من أجلها اليمنيون أشعلوا ثورة شعبية سلمية ، شهد لطهرها الأعداء قبل الأصدقاء ، وإنما محاولة منا لوضعه في سياقه الطبيعي ، وفي الغالب يورد كثير من المهتمين بالشأن اليمني ، عدة أسباب تفسر الانتكاسات ، التي تعرض لها ربيع اليمنيين ، والتي توجت بانقلاب 21 سبتمبر 2014م منها : جرعة المشتقات النفطية ، وتقاطع مصالح قوى يمنية وأطراف إقليمية ، في القضاء على مراكز قوى الإخوان المسلمين العسكرية والاجتماعية والسياسية ، لكن تلك الأسباب لم تكن إلا أعراضا لمتلازمة أساسية ، هي تعاطي الرئيس عبدربه منصور هادي ، مع المرحلة الانتقالية ، وفق نمط وعقلية الحكم ، التي اعتمد عليها سلفه المخلوع علي عبدالله صالح ، مع الافتقار للشفافية والمحاسبة ، وإذا كان الصراع الدائر في الساحة اليمنية ، قبل الانقلاب على المرحلة الانتقالية ، بدا وكأنه صراع بين حزب التجمع اليمني للإصلاح وقواه العسكرية والقبلية ، والحوثيين وأنصار المخلوع علي عبدالله صالح ، فإنه اليوم يأخذ ببعده الداخلي طابعا آخر ، هو الصراع بين السلطة اليمنية الشرعية ، ومليشيات الانقلاب الحوثية والصالحية ، بيد أنه يتوارى خلف هذا الصراع العنيف ، أزمة صراع على الحكم ، استبدلت الموجهات الوطنية الدستورية والقانونية ، الضابطة لهذا الصراع ، بموجهات عصبوية مذهبية ، ولدت في المجتمع اليمني انقساما طبقيا حادا للغاية.
هناك عوامل ، تمكن حلف الحوثيين وحليفهم المخلوع علي عبدالله صالح من توظيفها ؛ للقيام بانقلاب على ثورة 11 فبراير 2011م ومخرجاتها ، يأتي في مقدمتها ، استغلال وجود تناقض ، بين أسباب وغايات وطموحات ثورة 11 فبراير ، وبين اختزالها بقوى تقدمها ، وكأنها صراع على المكاسب السياسية ، والوصول لسدة الحكم ، إضافة لوجود عملية ثورية ، يغيب عنها أطر لقوى ثورية ، بمقدورها الاستفادة من هذه العملية ، ودفعها في المسار الصحيح ، وحتى يتاح لليمنيين فرصة ؛ لبناء دولة مدنية ، ذات نظام حكم وطني ديمقراطي ، وكي يذق اليمنيون طعم ربيعهم ، وثمار تضحياتهم الجسيمة ، في كل مراحل نضالهم الوطني ، فإن عليهم أن تكن جهودهم الثورية منظمة ، وتحت قيادة جماعية ، قادرة على ترجمة طاقاتهم الثورية ، لمشروع سياسي وطني قابل للتنفيذ.