الأرشيف

السعودية وإيران اختلاف مشاريع أم تضارب مصالح !!

الأرشيف
الأحد ، ٣١ يناير ٢٠١٦ الساعة ٠٨:٤١ صباحاً

عبدالواسع الفاتكي


الراصد الحصيف لأداء ودور إيران ، وعلاقتها بالمنطقة العربية ، يخلص لحقيقة مفادها أن الذي يحرك طهران ، ويوجه سياساتها ، ويجعلها تمارس دورا عدائيا استفزازيا لكثير من الدول العربية ، لاسيما الواقعة في المشرق العربي ، تسعى من خلاله لاختراق المجتمعات العربية ، وإضعاف جبهتها الداخلية ، وتغذية التفكك الاجتماعي والسياسي ، ليس مجرد تضارب مصالح بينها وبين العرب ، إنما هو برنامج أو مشروع إيراني ، واضح المعالم ومحدد الأهداف ، رصدت له إيران جزءا كبيرا من مقدراتها ؛ ليكن واقعا ملموسا ، ففي عام 2005م صاغ النظام الإيراني وثيقة ، يعتبرها الإيرانيون أهم وثيقة قومية وطنية بعد الدستور الإيراني ، أطلق عليها الاستراتيجية الإيرانية العشرينية ( 2005 -2025) ، أو الخطة العشرينية إيران 2025م ، وضعت التصورات المستقبلية لإيران خلال عشرين عاما ، بما يحولها لدولة قوية ذات اليد الطولى في المنطقة العربية ، وبالأخص في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام ، وتنص الوثيقة على أن إيران ستكن مصدر إلهام للعالم الإسلامي ، استنادا لتعاليم الإمام الخميني وأفكاره ، ومن ثم درست طهران الواقع العربي بأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وكان لها المعرفة التامة لنقاط الخلل والضعف في المجتمعات العربية ، فتسللت من خلالها ؛ ليكن لها الحضور الفعلي الضخم والدرامي في المشرق العربي ، تراوح بين النفوذ المطلق أو الضغط بذراع داخلي ؛ كبوابة للاحتلال السياسي وإثارة الفتنة الطائفية.

 

الزائر للمكتبة العامة في طهران ، يرى في الواجهة صفحة من كتاب تراثي عرضها متر وطولها كذلك ، موضوعة في صندوق بلوري مكتوب فيها ( كيف للعرب الأنذال أن يسقطوا الإمبراطورية الفارسية ، علينا أن نعيدهم للصحراء من جديد ) بينما في الساحة الإقليمية العربية المقابلة لإيران ، حالة من الاضطراب المصاحب لغياب أي تصور لاستراتيجية عربية ، مناهضة للتوغل الإيراني ، تحصن ماتبقى من الكيان العربي ، وتنقذ ما وقع تحت الهيمنة الإيرانية ، والمتأمل للصراع العربي الإيراني ، يجد أنه أخذ أبعادا وصورا مختلفة ، باختلاف الظروف الداخلية العربية والإيرانية ، متأثرا بمكاسب أوخسائر الدول الكبرى ، من توقف هذا الصراع أو استمراره ، ولذلك نجد أن الحرب العراقية الإيرانية ، في العقد الثامن من القرن العشرين المنصرم ، اتسمت بالطابع القومي ، بينما بعد غزو العراق عام 2003 م وإسقاط نظام صدام حسين ، أعيد تعريف الصراع ؛ لينتقل من المربع الإثني للطائفي بصبغة سياسية أيدلوجية ، أي أن أطراف الصراع لم يطرأ عليها أي تغيير ، فقط تجدد الصراع بينها ، بهوية جديدة للصراع والمتصارعين.

 

عندما نجحت الحركة الحوثية في اليمن ، بتحالفها مع مليشيات وأنصار المخلوع صالح ، وبالدعم اللوجيستي الإيراني لها ، في الانقلاب على السلطة الشرعية ، والسيطرة على مؤسسات الدولة اليمنية ، وأفصحت عن توجهاتها العدائية ضد السعودية ، استشعرت الرياض الخطر ، وقادت تحالفا عربيا عسكريا ضد الحوثيين وحلفائهم ، وهذا يعني أن السعودية في صراعها مع إيران ، دخلت مرحلة حاسمة وساخنة ، انطلقت من رؤيتها لماهية الصراع ووسائله وحدوده ، فأجبرت على أن تتولى زمام قيادة محور صد النفوذ الإيراني في اليمن ، ناهيك عن سوريا والبحرين ، وإذا كانت السياسة السعودية إبان الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز ، قد فتحت الباب على مصراعيه ؛ للتوسع الإيراني في المنطقة العربية ، وضربت السياجات الأمنية القومية للرياض ، فإن عليها بإمكانياتها الاقتصادية والسياسية وبمكانتها الدينية ، أن ترعى وتقود مشروعا عربيا سنيا ، يقف سدا منيعا أمام النزعة الإمبراطورية الإيرانية من جهة ، مرمما البيت الداخلي للعرب من جهة أخرى ، وخارجا عن النظرة الغربية للنزاع مع إيران ، التي تحصره في بوتقة تضارب المصالح ، فالغرب يبحث عن حماية النفط ، بينما نحن ندافع عن هويتنا ، ومستقبل وجودنا كمجتمعات أو دول ، ساعيا لتجديد بنية الدولة العربية التقليدية ، التي مثل الربيع العربي المحاولة الأولى لتجديدها ، لكن السعودية ناصبته العداء ، لتفاجأ بتغير في مسار الصراع ، من صراع أنظمة حاكمة وشعوب ثائرة ، لصراع إيراني شيعي وعربي سني ، دخل مرحلة المواجهة المسلحة في أكثر من بلد عربي ، لتجد السعودية نفسها مرغمة على الدخول المباشر فيها ، وسط تناقضات عربية داخلية ، متموضعة في خنادق متقابلة.

 

يرتبط نجاح السعودية في وقف التمدد الإيراني ، وإعادة اليمن والعراق وسوريا ولبنان للحضن العربي ، بتبنيها مشروعا عربيا ، لا يعتمد على التعاطي العسكري مع أدوات النفوذ الإيراني ، بل يعمل على التأسيس لهوية عربية ، لا تستمد وجودها من المعطيات التاريخية فقط ، بل من قوة حضورها السياسي والاقتصادي والثقافي في المحيط الإقليمي والدولي ، وبغير ذلك فإن المنطقة العربية مقبلة على سنوات عجاف ، من الفرقة والتناحر والشتات ، ولن تتمكن من استعادة عافيتها إلا بعد عقود طويلة.

 


# عبدالواسع_ الفاتكي

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)