عبدالواسع الفاتكي
في اليمن الذي يربو عدد سكانه ، على 26مليون نسمة ، وتزداد وتيرة الحرب الدائرة فيه ، فتتضاءل فرص العيش ، وتنعدم أساسيات الحياة ، يحتاج أكثر من نصف سكانه ، لمساعدات إنسانية عاجلة ، وهو ما عزز من إعلان حالة الاستنفار الإنساني لهذا البلد المنكوب ؛ إذ أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ، التابعة للأمم المتحدة ، أعلنت في الأول من يوليو 2015 م ، حالة الطوارئ من المستوى الثالث في اليمن ، بعد بلوغ الوضع الإنساني فيه مرحلة الكارثة ، خاصة في المناطق التي مازالت الحرب فيها ، لم تضع أوزارها ، والتي تعاني من القصف العشوائي لمنازل المدنيين ، ومن الحصار المطبق عليها من قبل المليشيات الإنقلابية ، مانعة عنها الغذاء والماء والدواء ، لاسيما مدينة تعز ، التي تستصرخ الضمير الإنساني ؛ لإنقاذها من القتل جوعا ومرضا ؛ جراء حصار شديد تفرضه عليها المليشيات ، منذ تسعة أشهر ، دون أدنى اكتراث لأخلاق وقوانين الحروب.
ومع استمرار واتساع دائرة العنف في اليمن ، وتعمد مليشيات الحوثيين وحليفها المخلوع صالح ، الحرب وسط المدن المأهولة بالسكان ، زادت معاناة المدنيين ، الذين يتحملون العبء الأكبر للعنف والصراع ، واتسعت خارطة النزوح الإنساني لآلاف من الأسر ، في عدد من المحافظات ، والتي مع انتقال الحرب من محافظة لأخرى ، تبادلت الأدوار مع بعضها البعض ، فالمحافظات التي استقبلت بالأمس النازحين ، الفارين إليها من محافظات أخرى ، باشتعال الحرب فيها أصبح سكانها نازحي اليوم ، لقد أصبح عيش اليمني في وطنه ، بسلام وامتلاك لأدنى مقومات الحياة ، أقرب للمستحيل ، وبات المتاح والممكن فقط دوي المدافع ولعلعة الرصاص ، التي رسمت ومازالت خرائطا من المآسي والأحزان ، بدم آلاف النساء والأطفال والشيوخ ، تحت مبررات مختلفة ؛ لتنسف الأمن الاجتماعي والسكينة العامة .
عندما بدأت عمليات التحالف العربي العسكرية ، ضد مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح ، راهنت تلك المليشيات على عدة خيارات ، كالتموضع في الأحياء السكنية والمؤسسات العامة والممتلكات الخاصة ، واستخدامها كدروع تقيهم من الضربات الجوية ، وتجعل استهداف الطيران لها ، لايخلو من سقوط ضحايا مدنيين ؛ لتستغل ذلك في إظهار التحالف العربي بأنه عدوان ، يستهدف الشعب اليمني ومقدراته والمدنيين الأبرياء ؛ لتستمر في الحشد لقتال رجال المقاومة والجيش الوطني ، الذين تصورهم بأنهم مرتزقة ، إضافة لتقديم نفسها ، بأنها حامية للديار ، وواقفة في وجه الغزاة وأعوانهم !! ولقد اعتقدت مليشيات الانقلاب ، في بداية حرب التحالف عليها ، أن إطالة أمدها خيار استراتيجي ، يمكن أن يرغم التحالف على إنهاء عملياته العسكرية ، خاصة وأن الشرعية آنذاك ، لم تكن تمتلك قوات منظمة على الأرض ، لكن هذا الخيار دحضه ، عدم توقف العمليات القتالية للتحالف ، مهما كانت أخطاءها وخسائرها ، بل صارت أمرا روتينيا ، ومن هنا كان لابد للمليشيات ، بعد أن فقدت أوراقا كثيرة ، أن تبحث لها عن ورقة تضغط بها وتساوم عليها ، هي من وجهة نظرها ، تأزيم الوضع الإنساني من خلال حرب التجويع ، عبر حصار المدن والسطو على المعونات الغذائية والدوائية ، المقدمة للمتضررين من الحرب ، النازخين منهم أو الذين مازالوا تحت الحصار ، كما أنها تتحكم في المناطق التي تسيطر عليها ، بتوزيع المواد التموينية والمشتقات النفطية ، مما رفع من أسعارها لمستويات خيالية ، جعلتها بعيدة عن متناول ملايين اليمنيين.
المدنيون في اليمن ، واقعون بين مطرقة المليشيات ، التي ترى أن حرمانهم من أبسط ضرورات العيش ، أنجع ورقة في معادلة الصراع ، ومضمار المكاسب السياسية ، في أي تفاوض أو حوار ، يراد منه وقف الحرب ، وسندان إهمال السلطة الشرعية ، فدورها في التخفيف من معاناة المحاصرين أو النازحين ، يكاد يكون معدوما ، حتى أنها لاتملك قاعدة بيانات دقيقة وسليمة ، لعدد المتضررين من الحرب ، ونوع وحجم المساعدات المطلوب الإسراع بتوفيرها لهم ، ويعزو ذلك ؛ لبقاء معظم الوزراء وقيادات الدولة خارج اليمن ، ولضعف التواجد الفعلي للسلطة الشرعية على الأرض ، التي يمثل إطلاقها المناشدات للمجتمع الدولي والأمم المتحدة ؛ للضغط على المليشيات ؛ لفتح ممرات آمنة ؛ لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية ، أقصى ما تقدمه ؛ لإنقاذ حياة مئات الآلاف من المدنيين.
لن تكسر سياسة التجويع إرادة شعب ، أراد أن ينال حريته وسط بحر من الدماء ، كما أنه برغم الجهود ، التي تبذل من مركز سلمان للإغاثة ، أو من المنظمات المهتمة بالشأن الإنساني محلية كانت أو دولية ، أو من السلطة الشرعية ، إلا أن حجم الكارثة الإنسانية ، يفوق هذه الجهود ، طالما وآلة الحرب لم تتوقف عن العمل، ما يجعل موجة النزوح ، ومعاناة المدنيين في تفاقم مستمر.