إيزابيللا كاميرا
كلّما يحدث شيء كبير في العالم العربي، فإن الصحف الإيطالية ووسائل الإعلام عموماً تصحو فجأة ويزيد تركيزها، لنشهد ازدهاراً عجيباً للمطبوعات وبرامج التوك شو حول مختلف المواضيع ذات الصِلّة بالعالمين الإسلامي والعربي.
ونحن عادة لا نستطيع أن ننشر بسهولة في إيطاليا كتاباً حول التاريخ العربي المعاصر، ولكننا قد نجد مساحة صغيرة لذلك عندما تندلع قضية، عادة ما تكون مأساوية، سواء أكانت حرباً أم شيئاً من هذا. من هنا ينطلق السباق للحصول على معلومات من دارسين عشوائيين أو خبراء مضى عهدهم بهذا المجال، فتمتلئ صفحات الجرائد بالتحليلات المرُتجلة. وهكذا كان اهتمامنا بلبنان بعد أن اندلعت الحرب الأهلية، وفلسطين عندما احتلت الانتفاضة صفحات ونشرات الأخبار الوطنية والدولية؛ وبدأنا نشعر بالقلق من العراق، فقط بعد أن ساد اعتراف دولي بأن صدام حسين شخص يُمثِّل خطراً عالمياً، وليس عندما كان المثقفون العراقيون، وخاصة في الشتات، يشجبون دون هوادة ما كان يحدث في وطنهم، ولكن بلا طائل. حدث الشيء نفسه في الستينيات، أثناء حرب الاستقلال الجزائرية التي حَفّزَتْ، للمرة الأولى، الاهتمام الغربي القوي تجاه هذا البلد وكفاحها من أجل التحرّر من الاستعمار الفرنسي. بعدها، وكما هي العادة، بعد مرور فترة من الوقت، عاد كل شيء إلى الصمت، وانحسر الاهتمام ونسي الجميع جغرافية العالم العربي نفسها، وعادوا يخلطون بين البلدان والأديان والأعراق. حتى أنه أصبح من الكلاسيكيات في الغرب الآن القول إن هذا الأفغاني ديانته «عربية»... ولن أنسى أبداً أن واحداً من الناس قال لي بحسرة بادية إنه يأسف لأنه لا يتحدّث اللغة «المسلمة». بدا لي الأمر كما لو أن عربياً قال لي إنه لا يتحدّث باللغة «المسيحية»!
ومُؤخراً تسبّب «الربيع العربي» في هزهزة جميع الناشرين الذين هرعوا لنشر عدد كبير من الكتب التي تُحلِّل الموقف تحليلاً عجولاً، وتحاول أن تثبت وتوثِّق شهادات الأبطال الحقيقيين للثورة العربية. وفي الواقع، فبالإضافة إلى تحليل الدارسين المهتمين بالشأن العربي، تم نشر عدة شهادات من قادة الشباب من خلال مواقعهم ومدوناتهم على شبكة الإنترنت ومعظمها مكتوب باللغة الإنجليزية- ويمكن تحميلها بسهولة من الشبكة- لتصل رسائلهم هنا في الغرب. وهذا يؤكد مرّة أخرى على أن هذه الشبكة الافتراضية قادرة على تحطيم كل الحدود الجغرافية والسياسية والأيديولوجية.
ثم، قلت لنفسي، مع هذا الهياج النشري الجديد في أوروبا، لابد أن يكون الأوروبيون قد استوعبوا أخيراً ما يحدث على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، وبدا لي هذا الافتراض منطقياً. ولكن على العكس تماماً، اتضح أنني أخطأت التقدير، عندما اكتشفت أن المُسيطر على الجميع حتى الآن هو التشويش والخلل في معرفة الصورة. قال لي زميل في الجامعة، يدرس العلوم، ومن ثم يُعد شخصاً جيد التعليم والتكوين، إنه قد فهم أخيراً ما كان يدور في العالم العربي نظراً لأنه قرأ كتاباً فُسّرَ له الفرق بين السُنّة والشيعة. (السُنّة والشيعة؟ وما دخل هذا بالثورات العربية؟). قال لي آخر إنه فهم أخيراً من خلال مقالة صحافية، لماذا يفرّ المسيحيون المساكين من العالم العربي (لكن كيف، ماذا قرأ؟ ماذا فهم؟). بدأت أشعر بقشعريرة. بعدها قال لي آخر إنه حضر مؤتمراً، وإنه سعيد لأنه فهم أخيراً أنه لا يمكن للمرء أن يتكلّم عن «الربيع العربي»، لأنه بعد فصل الربيع يأتي فصل الصيف، لذا فلابد أن تمضي الأمور إلى الأسوأ، فكما تعرفين يكون الصيف في الصحراء فظيعاً، (وهل جميع البلدان العربية صحراوية؟ كنت أود أن أقول له هذا، ولكنني تراجعت...)،وباختصار، شعرت بالإحباط، وأدركت أن الغرب كله، وليس بلدي وحسب، لن ينزع الغمامة عن عينيه، وسيظل يسيء فهم ما يحدث في العالم العربي، لأنه لا يعرف عنه سوى القليل. ولكن، وبما أنني شخص مُتفائل، وأنني أمثل أيضاً جزءاً، رغم أنه صغير، من الشعب الإيطالي، وأنني أعرف أكثر عن هذه البلدان، أود أن أختتم هذه المعلومات بالقول إن جميع هذه الحركات الثورية سوف تؤدي بالتأكيد إلى تغييرات في بعض البلدان، واضطراب في بلدان أخرى، ولكن، وبنفس المجاز المُستَقَى من مصطلحات المناخ، أرى أنه بعد العاصفة عادة ما يأتي الطقس الطيب.
عن مجلة الدوحة الثقاقية