ياسين التميمي
نفض مساء السبت الماضي "المولد" الحوثي، مخلفاً وراءه موجة غبار تكاد تحجب رؤية الناس لمستقبلهم، وتحدث تشويشاً في صورة ذلك المستقبل، والأهم من كل ذلك الرسالة السياسية التي مررها زعيم الجماعة الحوثية المسلحة، عبر خطبته الوعظية والاحتفال الديني الطابع بذكرى المولد النبوي، وهو المبالغة في تأكيد حجم قوته ونفوذه، والاستسلام الواضح لغرور القوة الذي بات يسيطر عليه وعلى حركته، إلى حد أنه لم يتورع عن مخالفة كل التزاماته تجاه عملية التسوية السياسية ومخرجات الحوار الوطني.
لقد أظهر الحوثي تشدداً في رفضه لصيغة الأقاليم الستة للدولة الاتحادية المنتظرة، وتحذيره من أي تقويض للمكاسب التي حققتها جماعته.
ذلك بالتأكيد هو فائض القوة الذي توفر لديه نتيجة النهب المنظم والمكشوف لمخازن القوات المسلحة اليمنية، وبرعاية دولية، تماماً كما حدث يوم 21 سبتمبر2014 عندما سقطت صنعاء واستُبيحت، بتسهيل كبير من الجيش والأطراف السياسية والرعاة الإقليميين والدوليين لعملية التسوية السياسية.. وربما يحاول بهذا الرفض لصيغة الأقاليم الستة، أن ينخرط في مناورة جديدة لتمكين جماعته من السلطة، وهذه المرة بالتشارك مع الرئيس الانتقالي الذي فقد سلطته ونفوذه، عبر تبادل المنافع، وهو ما تضمنه اتفاق توصل إليه الحوثيون والرئيس هادي في العاصمة العمانية مسقط مؤخراً، وكشفت عن مضامينه وكالة إخبارية مقربة من الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، استناداً إلى إفادة من مصدر في الرئاسة اليمنية تحدث عن اتفاق الطرفين على التمديد لهادي خمس سنوات، مقابل عدم تضمين صيغىة الأقاليم الستة في مسودة الدستور.
إن الحوثي بهذه الخلاصة السياسية لـ"المولد"، الذي انعقد في ثكنة عسكرية تابعة للقوات المسلحة اليمنية، يُعلن موت الدولة اليمنية التي ولدت من رحم ثورة 26 سبتمبر 1962، ونظامها الجمهوري، ويعلن استحالة المضي في مسار الانتقال نحو الدولة الاتحادية المدنية التي أُقرت بتوافق وطني في مؤتمر الحوار الوطني، ويقود هو وجماعته اليمن بسرعة كبيرة نحو المجهول، ويبالغ في ربط هذا البلد بالأجندة الإيرانية، ويتسرع بل ويجازف في إضفاء اللون الطائفي النشاز على بلد عُرف بتقارب مذاهبه وعقائده ودياناته، وتسامحها وتعايشها عبر التاريخ.
لقد سبق لزعيم هذه الجماعة أن مارس التُّقية، وكذب على رؤوس الأشهاد عندما طلب من الشعب اليمني في أحد خطاباته (التي كان يُغطي فيها على مؤامرة إقليمية، كانت جماعته أداتها ووسيلتها القذرة) بأن لا يصدق الشائعات بشأن وجود نية لديه ولحركته لإسقاط العاصمة صنعاء، وبأن الحركة لن تقتحم صنعاء.. وها هو اليوم يتحدث عن مكاسب ثورة 21 سبتمبر الخاصة بجماعته التي مثلت الصيغة اليمنية للثورة المضادة التي دُبرت بليل ضد ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية، ويرفض مخرجات الحوار.
وهناك ثوابت كثيرة سوف تتساقط أمام هذا السلوك الأرعن لجماعة مسلحة تتعمد الإثارة الطائفية في مجتمع كان قد تخلص من النعرات الطائفية وتعايش بسلام طيلة العهد الجمهوري الذي يتم القضاء عليه بواسطة الحوثيين، وفي ظل ممالأة مكشوفة من الرئيس الانتقالي الذي قرر على ما يبدو أن يضحي بكل شيء بما في ذلك صلاحياته وكرامته الرئاسية.
الجماعة الحوثية المسلحة تمهد بهذه المظاهر الاحتفالية الأرضية السياسية والثقافية لاستعادة النظام الإمامي المقبور، عبر إذكاء المشاعر الدينية، واستغلال الوعي السطحي الذي تعاني منه شريحة واسعة من المجتمع اليمني... وهي تمضي بقوة نحو إحداث تغيير في البنية الثقافية للمجتمع تقوم على فكرة إعادة بناء كتلة زيدية صلبة، وبنزعة شيعية أكثر تطرفاً، تعتمد عليها في بناء نفوذها السياسي، وفي فرض خياراتها التي لا تتفق أبداً مع متطلبات بناء الدولة المدنية الحديثة القائمة على أساس أن الشعب هو صاحب السلطة والمعني بتفويضها لمؤسسات ديمقراطية في انتخابات حرة ونزيهة.
لم يعد من الممكن السكوت على المؤامرة التي يندرج فيها الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، وهو يمارس كل هذه التغطية على تصرفات الجماعة الحوثية المسلحة، التي لم تتورع عن إعادة تأسيس شرعيتها وهيمنتها على أساس اتفاق لم تحترمه ولم يتم العمل به مطلقاً منذ توقيعه في 21 سبتمبر، ومحاولة التشويش على وعي الناس بإظهار أن اتفاق السلم والشراكة هو مرجعية مؤتمر الحوار وليس العكس!
/المصدر أونلاين/