عبدالله العوضي
لن نتحدث عن إيران أكثر من "ثورة" لثلاثة عقود، حتى لا يطول بنا المقام في المطولات، وإنما نقزم ذلك الزمن المديد في قرابة أسبوع من الأحداث والمواقف التي أطلت إيران بها على العالم.
نبدأ من الآخر، حيث وصفت إحدى الصحف الأميركية بأن "النفاق" يطبع تعامل إيران مع المجتمع الدولي بسبب تقديمها معلومات جزئية فقط حول سجل أعمالها السابقة بشأن برنامجها النووي في حين يواصل مسؤولون إيرانيون "الكذب" بخصوص عدم سعي إيران لامتلاك السلاح النووي، وحذرت تلك الصحيفة من أن رفع العقوبات عن إيران بغض النظر عن "الخداع" الذي يشوب تعاملها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من شأنه تشجيعها للمضي قدما في ممارسة سلوك انتهاك شروط الاتفاق النووي.
ولابد أن نُذكّر بأن إيران مازالت في مرحلة الاختبار بعد انعتاقها من إسار هذا الحلم النووي القومي ومن بعد معركة دامت عقدا من الزمن الذي اعتبرت نفسها الآن في حِل من كل شيء، فهذا هو "الخداع" و"النفاق" و"الكذب" الذي تروجه كل آلات الدعاية الإيرانية في نشوة لم تصدقها هي بنفسها وظنت بأن هذه الوجوه المتعددة في التعامل مع الدول سوف ينجيها مما هو آت.
إيران التي تدعي محاربة الإرهاب في سوريا والعراق، ليست بمنأى عن وصول شررها إلى الداخل من حيث لا تحتسب، لأن بعض ما ينشر عن الأوضاع الداخلية في إيران يفيد بأن الخطر الإرهابي يتهددها أيضا ويدل على ذلك الأمر إعلان وزير الاستخبارات الإيراني بعد ثلاثة أيام من هجمات باريس الإرهابية في شهر نوفمبر الماضي، عن القيام باعتقال أعضاء حوالى عشر "خلايا إرهابية" في شهر أكتوبر 2015 وحده، ولم نعرف شيئا عن تفاصيل هذه الاعتقالات التي لم تنشر، حتى نحكم على هوية القائمين عليها، أو أنها "داعشية" الهوى، أم أنه أمر تم اختلاقه لإيجاد مبررات تدخلاتها في الدول التي تفرض نفوذها عليها باسم "الإرهاب" الفضفاض.
من الناحية الأخرى فإن روسيا وإيران ماضيتان في تعاونهما الأمني والعسكري في سوريا ويكافئان بعضهما في بناء روسيا مفاعلين نوويين في إيران في غضون الأيام المقبلة، والذي لم يتم حتى الساعة الإعلان عن موقعهما، وهما يدخلان في إطار حزمة من الاتفاقات وقعتها موسكو وطهران في نوفمبر 2014 لبناء ثماني وحدات جديدة لإنتاج الطاقة النووية في محطة "بوشهر".
أما محليا فقد تمكنت الأجهزة الأمنية بالدولة من ضبط باخرة إيرانية حاول قبطانها تهريب كمية كبيرة من المخدرات شملت 11,5 كيلو جرام حشيش و142 ألفا و755 قرصا مخدرا كانت في مخابئ سرية، إضافة إلى ضبط عشرة أشخاص على متن الباخرة من بينهم شخصان كانا مختبئين في خزان توازن الباخرة لتهريبهما إلى الدولة. ومن يعود إلى تاريخ دخول المخدرات إلى أرض الدولة يدرك جيدا بأن أول من أدخل "الحشيش" إلي هذا المجتمع هم المهربون الإيرانيون وما زالوا مستمرين في ارتكاب هذه الجرائم حتى هذه الساعة.
ومن ناحية أخرى، تعيش إيران حالة من الهذيان السياسي بعد أن قادت السعودية "عاصفة الحزم" نحو النصر ودحر "الحوثيين" الموالين قلبا وقالبا لإيران "الثورة" وليس الدولة لأن دورها الرئيسي هو تدمير أي دولة قائمة و"الحوثيون" أدوات هذا التدمير في اليمن ومن خلفهم "الصالحيون" وعصابات "المرتزقة" من شتات الدول الإفريقية.
ولهذا السبب بالذات يصرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية مرارا وتكرارا عن الإجراءات والجهود المتواصلة لتهيئة أرضية للمحادثات المباشرة بين إيران والسعودية والتفاهم لحل الخلافات والقضايا القائمة بالمنطقة.
لماذا أفاقت إيران الآن على هذه النبرة التصالحية التي لم تبدها منذ عقود وخاصة مع المملكة العربية السعودية التي لم يبدر منها فعل أو قول يسيء إلى هذا النظام لا من قريب ولا من بعيد، لأن قوة التحالف العربي اليوم هي التي تحكم المعادلة المصلحية بين إيران وجيرانها على حد قولها، يا ليت إيران تدرك بأن السعودية تغيرت فهي اليوم غير الأمس.
(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية ـ 25 كانون أول/ ديسمبر 2015)