هاني الجنيد
في مديرية المعافر بمحافظة تعز، المرأة حاضرة بقوة في شتى المجالات. لقد اقتحمت منذ وقت مبكر مجال السياسة، والطب، والقانون، والاقتصاد، والأدب؛ وها هي مؤخرا تقتحم المجال الأكثر تعقيدا أمامها وهو المجال العسكري الذي كان حكرا على الرجال فقط.
اليوم المرأة المعافرية تضع بندقيتها جنبا إلى جنب مع بندقية أخيها الرجل، وتستعد لخوض معركة تحرير اليمن من المليشيات الانقلابية التابعة للحوثي والمخلوع.
85 مجندة في انتظار إذن القائد
الخميس الماضي كان لنا زيارة ميدانية إلى داخل مقر اللواء 35 مدرع التابع للجيش الوطني في مدينة النشمة مركز مديرية المعافر، وهناك تمكنا من مشاهدة 85 مجندة وهن يؤدين التدريبات العسكرية والقتالية، والتقينا مع المدرب ومساعدته، ومع بعض المجندات.
هذه الدفعة العسكرية النسائية التي تحمل اسم "دفعة الأمل" تخوض التدريبات بشكل يومي منذ شهر ونصف، وباتت الآن جاهزة، وتنتظر حفل تخرجها، وإذن قائد اللواء 35 مدرع، العميد الركن عدنان الحمادي بالسماح لها بالذهاب إلى ميادين الشرف والبطولة.
يقول مدرب دفعة الأمل، فيصل الصبري، وهو صاحب فكرة تجنيد دفعة نسائية ضمن قوام اللواء 35 مدرع، أنه عرض فكرته على القائد عدنان الحمادي، قبل شهرين، فرحب بها وتحمس لها جدا، ووجه بسرعة تشكيلها وتدريبها لتكون شرطة عسكرية نسائية تابعة للواء.
بأمر القائد عدنان شكلت لجنة استقبال داخل مقر اللواء 35 في النشمة، وتوافدت إليها النساء الراغبات في التجنيد من معظم عزل وقرى مديرية المعافر بشكل لافت.
يتحدث مدرب الدفعة أن أعداد النساء المتقدمات لطلب التجنيد كان كبيرا جدا، ويصفه بأنه فاق كل التوقعات. ويضيف: "كنا عاملين في حسابنا أن نجند 30 شابة فقط ممن تنطبق عليهن الشروط، فوجدنا انفسنا أمام مئات الشابات المتحمسات لخدمة الوطن، إلا ان لجنة القبول لم تستوعب هذا العدد واكتفت بقبول 130 متقدمة فقط، وهذا رقم كبير نحن لا نحتاجه في الوقت الحالي".
وتابع المدرب: "وضعت في رأسي ان أعمل خلال أيام تدريب هذه الدفعة على تقليص عددها بقدر المستطاع، ونجحت أن أخفض قوامها من 130 إلى 85 مجندة".
رشا التي تركت القلم وحملت البندقية
رشا عبدالكافي، طالبة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، هي مساعدة مدرب دفعة الأمل، وتقول ان تجنيد هذه الدفعة النسائية تم من أجل هدف واحد هو: التفتيش، ومداهمة المنازل العائلية المشتبه فيها او المبلغ عنها أنها تحتوي على أسلحة او مسلحين حوثيين مطلوبين أمنيا.
وطبقا للمساعدة رشا عبدالكافي فإن جميع المجندات خضعن لتدريبات عسكرية وقتالية متعددة، ومن هذه التدريبات: اللياقة البدنية، الجري لمسافات بعيدة، الكاراتيه، قتال الشوارع، تفكيك وتركيب أسلحة، رماية، إضافة إلى التدريب على عملية اقتحام البيوت والمباني.
وتؤكد المساعدة رشا أن كل سرية في الدفعة تستطيع الآن تنفيذ مهمة اقتحام ناجحة لأي مبنى أو منزل في وقت يتراوح بين خمس وثمان ثواني فقط.
وفيما أشارت رشا إلى ان المجندات ينتمين إلى معظم عزل وقرى مديرية المعافر؛ أفادت ان أغلب هؤلاء المجندات ينتمين إلى عزلة "الصنة" التي تبعد عن مركز المديرية حوالي 3 كيلو ويقمن كل يوم بقطع هذه المسافة مشيا على الأقدام ذهابا وايابا بسبب عدم وجود وسائل مواصلات.
في ردها على سؤالنا بخصوص تركها للدراسة في كلية الإعلام والانضمام إلى الجيش الوطني، تقول رشا عبدالكافي أن ما دفعها للانخراط في الجيش هو الواجب الوطني، وتؤكد أنها ستعود لإكمال دراستها بعد عملية التحرير، ولن تتخلى عن مهنتها كصحفية.
وتضيف: "أني عن نفسي لم أكن أريد أن أحمل السلاح ولا في أي يوم من الأيام، لكن الوضع أجبرني على ذلك".
وتواصل رشا حديثها: "عندما سيطرت المليشيات الانقلابية على صنعاء وأسقطتها، ونزلت بعدها للسيطرة على محافظة عدن وتعز وإب وغيرها من المحافظات، كان ذلك بقوة السلاح وليس بقوة القلم. هذا الأمر جعلني أترك القلم والدراسة واحمل السلاح من أجل تحرير هذه المحافظات وخاصة تعز التي أنتمي اليها".
وتابعت رشا: "الجميغ يعرف أننا في البداية أستخدمنا السلم في مقاومتنا لجماعة الانقلاب وخرجنا بمظاهرات سلمية في العاصمة صنعاء، وفي تعز، وكيف جابهتنا هذه الجماعات بالعنف المفرط ومارست بحقنا كل أشكال القمع والاضطهاد الغير مبرر، وقتلت الكثير من الشباب، ولم تترك لنا أي خيار سلمي للتعبير عن آرائنا واستنكارنا لجرائمها، فحملنا السلاح للدفاع عن أنفسنا وعن وطنا".
ربات بيوت في خدمة الوطن
توجد ضمن قوام دفعة الأمل، خمس مجندات متزوجات ولديهن بيوت وأطفال، منهن إيمان عبدالباسط عبدالجليل التي تقول أن زوجها هو من شجعها على التجنيد في الجيش الوطني، وقدم لها كل الدعم والمساعدة.
وتتحدث إيمان البالغة من العمر 21 عام أن ضياع الوطن، والحالة المزرية للناس وخاصة النازحين الذين شردوا من بيوتهم وأراضيهم بسبب الحرب، كان السبب الذي دفعها للالتحاق
بالجيش وحملها للسلاح في وجه مليشيات الانقلاب.
وتضيف: "شفت نفسي اقدر اقدم حاجة للناس، وأخدم الوطن، فحملت السلاح لمواجهة الانقلابيين، وعمل حد لهذا العبث الحاصل في البلاد".
إيمان عبدالباسط هي خريجة دبلوم حاسوب ومتزوجة منذ سنتين وثلاثة أشهر، وكنا نعتقد أن الشي الذي وفر لها فرصة للتجنيد وساعدها أكثر من تشجيع زوجها، هو أنها لم تخلف أطفال بعد، إلا أن هذا الاعتقاد لم يكن صحيحاً، فهناك واحدة من زميلاتها في الدفعة أم لطفلين.
على استعداد للمشاركة في القتال
ورغم أن دفعة الأمل أنشئت كشرطة عسكرية تابعة للواء 35 مدرع، ومهمتها جانب أمني بحت، حسب المدرب ومساعدته، إلا أن جميع منتسبات الدفعة أبدين استعدادهن لنا بالذهاب إلى جبهات القتال وخوض المعارك القتالية في حال دعت الحاجة إلى ذلك.
أثناء زياتنا الميدانية للمعسكر، شاهدنا مجموعة من المجندات وهن ينفذن تدريب لاقتحام أحد المباني الواقعة جنوب ساحة المعسكر، حيث تمكن من إنجاز هذه العملية في وقت زمني مدته خمس ثواني فقط.
بدأت العملية بإصدار المدرب إشارته للمجندات بالهجوم، فانطلقن مسرعات من شمال الساحة على متن طقم عسكري حتى وصلن أمام المبنى المراد اقتحامه، وبعد إن داس السائق على الفرامل، أصدرت الإطارات صوت الدولة الحازمة، وتوقف الطقم العسكري، وترجلت المجندات منه بخفة، وانقسمن إلى مجموعتين؛ مجموعة انتشرت وتمترست خارج المبنى، والأخرى اقتحمت المبنى والقت القبض على العدو الافتراضي المتواجد داخله.
في زيارتنا شاهدنا المجندات أيضا وهن يؤدين تدريبات الكاراتيه، وقتال الشوارع، والجري حول الساحة، وغيرها من تمارين اللياقة البدنية والقتالية المطلوب منهن أدائها يوميا.
من صفحة الكاتب الشخصية