ميشيل كيلو
لا مفرّ من أن يصاب بالدهشة كل من يستمع إلى من يدافعون من العرب عن السياسات الإيرانية، وما تنطلق منه وينتج عنها. وأول باعث على الدهشة قدرة هؤلاء على الكذب المكشوف الذي يترك الانطباع بأنهم دربوا بصورة منهجية ومنظمة، على ليّ أعناق الوقائع، لإقناع قليلي المعرفة والدراية بأكاذيبهم، وبأن ما يقولونه حقيقي، وما عداه كذب بكذب.
إذا كان الاستخفاف بوعي المستمع يصل إلى حد تشويه حقائق يعرفها ويراها بأم عينه، وهذا ما نسميه عادة الكذب، فإن لدى المدافعين العرب عن إيران فيضاً من احتقار سامعيهم، والاستخفاف بهم، وإلا كيف نفسر إصرارهم على إنكار دور طهران في تمرد الحوثيين ضد الدولة في اليمن، على الضد من قادة طهران الذين أقرّوا، في تصريحات تناقلتها وسائل إعلام العالم، أن استيلاء هؤلاء على صنعاء يلحقها بهم، ويضع يدهم على باب المندب، ويتيح لهم التحكم بقناة السويس وبمصر والسودان، بينما يمكّنهم الاختراق الحوثي لليمن من بسط سيطرتهم الكاملة على ممرات النفط البحرية، وعلى نسب مهمة من التجارة الدولية. ألم يسمع عرب إيران مستشاري المرشد السياسي والأمني، وهما يتفاخران بسقوط أربع عواصم عربية في قبضتهم، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء؟ أليس أمراً غريباً أن تظهر يومياً على شاشات التلفازات العربية أرهاط كذبة موصوفون، "يبرهنون" أن لا علاقة لإيران باليمن، وأنها لا تمد الحوثيين بالأسلحة، فإن اضطرهم محاورهم للاعتراف بدورها الحربي هناك، زعموا أنها إنما تفعل ذلك كي تنجز حلاً سياسياً للمشكلة، وليس لبسط سيطرتها على اليمن. في هذه الأثناء، يتباهى الملالي بشحنات الأسلحة التي أوصلوها جواً إلى مطار صنعاء، بعد الانقلاب الحوثي، بواسطة ثماني عشرة طائرة كانت تهبط يومياً فيه.
إذا أتينا إلى سورية، وجدنا الكذبة العرب ينكرون قتال قواتها إلى جانب النظام، على الرغم من أدلة قاطعة تؤكد انتشار مقاتليها على جميع الجبهات، وخوضهم معارك على الأرض السورية، يسقط فيها عشرات منهم أسبوعياً. يقول رسميون إيرانيون إن خامنئي أمر قادته باحتلال حلب، ولو كلف ذلك مائة ألف قتيل. ويعلن قادة جيش طهران وحرسها الثوري زيادة عديد قواتهم في سورية، في حين يتجاهل عرب إيران سقوط هؤلاء، بحجة أنهم مستشارون، كأن الجنرال الذي يقدم استشارات عسكرية لجيش الأسد ويقتل في الميدان ليس جندياً، بل هو ملاكٌ، جناحاه من نور. إلى هذا، يزعم المدافعون كذباً عن سياسات الملالي أن العسكر الإيراني لم يأت إلى سورية ليقاتل شعبها، بل ليعزز مقاومته العدو الصهيوني، فإن ذكّرهم أحد بالتنسيق الروسي/ الإسرائيلي / الأسدي في الجو، والروسي/ الإيراني/ الأسدي/ الحزب اللاهي على الأرض، لجأوا إلى "همروجة" الممانعة والمقاومة الممجوجة والمفضوحة، وتجاهلوا مقاومة أطراف الحلف الجوي/ البري المتكاملة لشعب سورية، التي تشارك تل أبيب فيها بطيرانها، في حين يحاول حلفاؤها، القادمون من بلاد فارس والضاحية الجنوبية وبغداد، القضاء على الجيش الحر، بمعونة "مستشاريهم الملائكيين"، الذين لا يقاتلون أحداً في سورية.
مشكلة عرب إيران أنهم مؤدلجون على كره قومهم، ومدربون على تشويه كل ما له علاقة بهم من وقائع وحقائق. لذلك، تراهم يصرّون على أكاذيبهم، على الرغم من افتضاحها المتزايد الوضوح، لأن إيران تعتقد أن أكاذيبهم ضرورية لبلبلة العقل العربي، ريثما يخترق مرتزقتها المجتمعات العربية، ويقوّضون مقاومتها بقوة السلاح.
يدّعي كذبة طهران أن ملاليها لا يريدون غير خير العرب. ويقول نابليون: بقدر ما تكون أهدافك قذرة، احجبها تحت رايات نظيفة.
*ميشيل كيلو
-----------
كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.