علي ناجي الرعوي
يتفق المهتمون بالشأن اليمني على ان الوضع في هذا البلد ينحو الى الغموض اكثر فأكثر ففي الوقت الذي تسعى فيه الامم المتحدة لجمع الاطراف المتصارعة الى طاولة الحوار في سويسرا منتصف كانون الاول الحالي لبحث سبل التوصل الى حل ينهي الحرب وأعمال العنف والاقتتال الداخلي يعمل تنظيم (القاعدة) الذي يبقى استهدافه خارج اجندة الصراع القائم على تعزيز مناطق نفوذه وسيطرته على اجزاء واسعة من البلاد حيث نجح في الأيام الاخيرة من الاستيلاء على مدينة جعار التابعة لمحافظة ابين والقريبة من مدينة عدن حاضرة المدن الجنوبية الامر الذي سيمكنه من تأمين خط امداد على طول الساحل بين عدن وعاصمة حضرموت الواقعة ايضا تحت سيطرته وهو ما نبه له المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ عقب قيام تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بتنفيذ سلسلة من الهجمات في عدن اودت بحياة العديد من القيادات الامنية والتنفيذية الموالية لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي تصدرها حادثة اغتيال محافظ عدن وعدد من مرافقيه.
اشكالية الوضع في اليمن اخذت طابعا مغايرا لطبيعة الاوضاع التي تشهدها المنطقة عموما حيث افرزت هذه الاشكالية العديد من أمراء الحرب والمليشيات التي تتصارع على النفوذ والسلطة وتكريس هيمنتها على ارض الواقع وإزاء هذا المأزق الذي يعيشه اليمن تحاول الحكومة المعترف بها دوليا اعادة تطبيع الاوضاع في المناطق الجنوبية التي غدت تحت سيطرتها بإسناد من قوات التحالف وذلك باستقطاب وعلى الطريقة العراقية بعض المليشيات الى قوام الاجهزة الامنية والعسكرية لغرض احتواء الانفلات الامني ومواجهة تمدد عناصر القاعدة وداعش لكن وفي ظل الخلاف الذي خرج الى العلن بين الرئيس ونائبه الذي يتولى ايضا رئاسة الوزراء فقد اخفقت هذه الحكومة في توسيع نفوذها اكثر وذلك بعد بروز معضلات اعقد من مجرد الهاجس الامني وهي مشاكل تتعلق بالصراع الموروث بين الطبقة السياسية الجنوبية منذ حقبة ما قبل الوحدة حيث تنقسم هذه النخبة الجنوبية الى تيارين وتحديدا ما يسمى في اليمن (الطغمة) و (الزمرة) وهو الصراع الذي اخذ بعدا مناطقيا وجهويا في السنوات الاخيرة ويتجلى هذا الصراع اليوم في قوى الحراك التي تنادي بانفصال الجنوب عن الشمال منذ عام 2007م واخرى تتمسك بـ (الفيدرالية) مع ذلك يعتقد التيار الانفصالي ان الوضع الحالي المضطرب يمثل بالنسبة له فرصة سانحة لفرض مشروعه بالتدرج بدءا من تحقيق الاستقلالية لإقليم عدن الذي يضم عدة محافظات جنوبية واختزال ارتباطه بالنظام المركزي او الاتحادي بشكل من اشكال في الصيغة الكوانفيدرالية التي تفضي في النهاية الى اعلان استقلاله كليا حتى عن اقليم حضرموت وبما يعيد تقسيم اليمن الى عدة كنتونات على غرار النموذج الصومالي.
من يتابع تطورات الاحداث في اليمن لابد وانه سيخرج بانطباع عام حيال المخاوف التي تقف في وجه وحدة هذا البلد فيما كل الاطراف ومريدو الحرب منشغلون بأمور اخرى ليس من بينها الحفاظ على تماسك الاجزاء اليمنية فباستثناء قرارات التعيين التي تصدرها الحكومة التي ستتفاوض مع خصومها قريبا لم تتمكن هذه الحكومة حتى الساعة من توجيه قوة الرأي العام لمصلحة الاستقرار وبناء الدولة رغم ادراكها ان ابسط شروط النجاح تبدأ بإطلاع الرأي العام على حقيقة ما يجري وكشف مواقف القوى المختلفة من قضية الوحدة على اعتبار ان ذلك كفيل بتحفيز الشارع الذي غيبته اشهر الحرب عن الشأن العام.
وبفعل هذا الغموض فان مصادر اعلامية شديدة القرب من الشأن اليمني رأت في حادثة اغتيال محافظ عدن قبل ايام المعروف بميوله الوحدوي واستبداله بمحافظ اخر ذو نزعة انفصالية هو من يضع حجر الاساس لتفتيت وحدة اليمن ، الوحدة التي لم تكن واهنة ومدعاة خلاف كما هي الان وهو ما يدعو الى التساؤل عن رؤية دول التحالف العربي حيال تداعيات هذا الواقع ؟ وهل حقق هذا التحالف اهدافه ام انه الذي اخطأ في حساباته عند التعاطي مع تعقيدات الاحداث وخواتيمها ؟ وهل مازال التحالف يرى في الوحدة اليمنية ضرورة للاستقرار في اليمن والمنطقة ؟ ام انه الذي يسعى الى احداث التوازن عن طريق إيجاد قوة في الجنوب موازية لقوة الحوثيين وصالح في الشمال ؟وذلك بعد ان اقتنعت دول التحالف او بعضها الى ان الظروف المتاحة لا تسمح بترف الطرح العاطفي الذي يتغنى بالوحدة بعد ان فقدت هذه الوحدة بريقها ورومانسيتها وتلوثت ايادي ابنائها بدماء بعضها البعض.
الواضح ان هناك من اليمنيين من يظهر تخوفا من تكرار تجربة الاقليم الشمالي الصومالي او ما يعرف بجمهورية (ارض الصومال) الذي نشأ على اثر عملية (اعادة الامل) او في اطار مهمة حفظ السلام في العاصمة الصومالية مقديشو وضواحيها والتي شاركت فيها العديد من الاطراف الدولية والعربية حيث حرصت احدى الدول العربية مع الاسف على بذل الكثير من الجهود وإنفاق الاموال من اجل اعادة الاستقرار للإقليم الشمالي وتشجيعه على انشاء مكوناته السياسية والحزبية بعيدا عن كامل تراب الصومال ليفك هذا الاقليم ارتباطه وينشئ لنفسه جمهورية مستقلة بمعزل عن الاقاليم الاربعة الاخرى وهي الجمهورية التي وان لم يعترف بها احد في العالم مع ذلك فان تضخم النزعة الانفصالية لدى سكان هذا الاقليم يجعل من اعادة وحدة الصومال امرا متعذرا او مستحيلا في قادمات الايام.
لا غبار على ان المجتمع اليمني منقسم اليوم بين فريق موال لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي وفريق اخر معارض لهذه الشرعية غير ان القتال الدموي الذي ضاقت به الارض اليمنية بما رحبت قد رفع من حدة هذا الانقسام الذي لم يكن له ان يصبح بهذا المستوى من العنفية والقطيعة من دون تدخل اطراف اقليمية ودولية وجدت في الصراع والنزيف الدامي في اليمن مدخلا لتصفية حساباتها مع الاخرين على الساحة اليمنية.
وحتى نقطع الطريق على اية محاولة تفضي الى تفتيت اليمن فإننا نناشد من يعنيه الامر اليمني شماله وجنوبه وتحديدا الاشقاء في دول الخليج العربي الى ضرورة اعتبار الوحدة اليمنية احدى المسائل الحيوية التي لا ينبغي السماح لها بالتآكل او التفريط بها لكونها من الخطوات الايجابية في التاريخ العربي سيما وان هذه الوحدة تستحق اكثر من وقفة جادة لسبر غورها بصورة معمقة وخلاقة بقصد دفعها الى الامام وذلك لن يتأتى الا من ادراك راسخ بان اية مقاربة اخرى انما هي التي ستدفع باليمن والمنطقة عموما الى السقوط المدوي في مستنقع العنف والفوضى والصراع على الحدود ومناطق الثروة وغير ذلك من مغذيات الحروب التي لن يستفيد منها سوى الجماعات المتشددة التي اصبحت تهدد امن وسلامة اليمن والأمن والاستقرار في منطقة الخليج ودول حوض البحر الاحمر بعد تمكنها من استقطاب المزيد من المتطوعين بهدف ادخال المنطقة في دوامة محكمة الاغلاق تدفع كل العوامل المؤسسة لها الى الانفجار في اية لحظة تراها تلك الجماعات مواتية لها لتكريس مشروعها المتطرف ودولة الجهالة التي تنشدها.
عربة الحوار ستنطلق بين الاطراف المتصارعة في اليمن منتصف الشهر الجاري وبوسع اشقاء اليمن تشجيع هذه الاطراف على تجاوز خلافاتها والعودة الى جادة الصواب واستيعاب ان الدم الذي سال بالامس ويسيل اليوم سيكون لعنة على كل من لا يملك الا ان يكون عاملا وساعيا للإبقاء على اليمن ساحة لا ينمو ولا يزدهر فيها غير دوي الانفجارات وعويل الموت وسيلان الدم.