مهنا الحبيل
مراجعات الموقف الخليجي التي استدركت خطأ ترك الحركة الحوثية الذراع السياسي والعسكري الشرس والمتطرف للجمهورية الإيرانية في اليمن تجتاح صنعاء بسبب أن أكبر عناصر مواجهتها هو حزب الإصلاح اليمني القرص الصلب في المجتمع السياسي موقف صحيح، لكنه يحتاج إلى بناء عاجل ومنظم لتدارك الوضع، وتصحيح الخطأ الذي بدأ ينعكس في وسائل الإعلام يحتاج إلى ملزمة مواقف من دول المنظومة الخليجية التي تساعدها أجواء المصالحة لإطلاق المبادرة الخليجية الثانية، وهذا الموقف سيُشكل ساعدا رئيسيا لوقوف اليمن الدولة أمام لبننة أو عرقنة اليمن وإعلانه رسميا ضاحية جنوبية بعد أن تم اجتياحه تنفيذيا ولكن هذه المرة ليس في لبنان وإنما في الجزيرة العربية.
والمشكلة الرئيسية التي ستواجه هذا التحرّك هي انهيار كامل مؤسسة الدولة ليس باستضعافها وقهرها فقط، ولكن عبر اختراق مسارات عديدة في بنيتها الأساسية قادها وزير الدفاع السابق الذي مكن الحوثيين من سرقة المستودعات والمواقع وبناء لوجستي مهم للقوات المسلحة اليمنية، وبقيت لهذا الاختراق آثار كبيرة كون الرئيس المخلوع علي صالح لا يزال يُشكّل مع الموالين له جيوب اختراق عديدة لمؤسسات الدولة وهو الباب الذي نفذ منه الحوثيون إلى صنعاء.
وتغيّر اللغة الخليجية مع علي صالح بعد تبيّن خطته المشتركة مع الحوثيين يحتاج الى أن يرسم كخارطة طريق بين الرئاسة اليمنية الهشة وبين خطة الدعم الخليجي لتثبيتها للعبور إلى الدولة الدستورية، ولذلك فإن الرئيس هادي الذي شكّل ضعفه عنصر تمكن لتحالف الحوثيين يُفترض أن يتلقّى رسالة واضحة من الخليج العربي بعد الحصار المر للتجربة السابقة، تؤكد تشجيعه على إعادة التنسيق مع القوى الوطنية.
ومن المهم هنا أن نؤكد أن حلم قبول الحوثيين بمخرجات الحوار الوطني قد ولّى بالفعل، وأن ذات السياسة التي انتهجها حزب الله في لبنان وانتهت لابتلاعه الدولة وتعطيل قدراتها هي السياسة الفاعلة اليوم لعبد الملك الحوثي ذراع المرشد الجديد، ولن تتغيّر قواعد اللعبة ما لم يستشعر الحوثيون اصطدام مشروعهم بقوى تحالفية جديدة، فحتّى صدامهم مع القبائل ومع القاعدة وسقوط قتلى لهم لا يغيّر من قرار الابتلاع الشامل لليمن الذي تحقق لهم تنفيذيا لكن بقيت إشكالية استكماله ومشروعيته معلقة، وهذا متوقع فقد حصد الحوثيون ما تُرك لهم واصطدموا بالرفض الشعبي للاحتلال الفكري والسياسي لليمن، وهو قد يطول ويُنهك كل الشعب، وأخطر أمر مضخة الطائفية التي لم يخضع لها اليمن تاريخياً وفجرها اليوم سلاح عسكر وخطاب الحوثي.
ولذلك الادعاء بأن هناك مساحة منظمة وخطة شاملة لإنقاذ اليمن أمرٌ صعب للغاية، كما أن المراقب للسياسة الإيرانية يدرك أن الرهان على خضوعها لتسويات كبرى تنسحب فيه من مصالحها جهل سياسي حتى مع تأثيرات حرب النفط التي بدأ الخليج العربي يتأثر بها فيما سياسة إيران لا تزال لم تتزحزح، إضافة إلى أنها اليوم تشارك بقوة مع موسكو سيناريو تصفية الثورة السورية، وإن لم يضمن لها انتصار الأسد الكامل، كما أن حرب داعش تتحول عملياً لصالحها مقابل خسائر عربية من تقدم هذه الحركة الإرهابية ومن خسارتها أيضاً لغياب المقابل لملء الفراغ بدلاً من المشروع الإيراني في العراق وسوريا الذي لا يوجد للظهير الإقليمي الذي ينافسه مشروع اليوم.
وعليه فإن ما يُمكن أن يُشكّل قاعدة للإنقاذ هو عودة ترتيب وتصفية البيت اليمني سياسيا وانتظام عقد شراكة بعد إعادة الثقة بين أطراف المثلث المهمة جدا وهي التحالف الوطني السياسي لأحزاب المعارضة وخاصة الإصلاح الذي لا يزال يحتفظ بقوته والقبائل والرئاسة التي تمثل المشروعية الدستورية، ودون انتظام هذا الثلاثي لن يتمكن اليمن من الصمود ثم إعادة البناء، كما أن الحراك الجنوبي اليوم يكتسب شرعية واسعة بسبب أن مخرجات الحوار الوطني لم تعد تضمن له مقابلا فدراليا حقيقيا للانفصال، وهو اليوم لا يواجه اليمن الشمالي لرغبة الاتحاد بل يواجه حركة طائفية انفصالية متطرفة سياسيا وثقافيا تسعى لتحويله إلى مزرعة للثورة الإيرانية بعد أن كان مزرعة لآل صالح، وعليه فإن لغة الخطاب وتقدير الموقف تحتاج مرونة وتفهما كبيرا لإعادة بناء ما هدمه الحوثي.
*اليوم السعودية