صادق يحيى الروحاني
ان عودة تركيا الى عالمها العربي والاسلامي وعمقها الاستراتيجي هو عودة الروح الى الجسد والنبض الى القلب .... ذلك ان خطة الغرب ازاء تركيا والمسلمين اقتضت (على مدى المئة عام الماضية) فصل هذا الروح عن الجسد وعلى المدى المنصرم فلا الجسد دبت فيه الحياة ونهض وسار بين الاحياء ولا الروح كان لها وزن او مكانة بعد ان فارقت الجسد
فتركيا هي روح الشرق الاسلامي كله لا مكانة ولا عزة ولا منعة للمسلمين عربا او تركا الابوحدتهم بأخوتهم بتكاتفهم باسلامهم . من خلال ازمة اسقاط الطائرتين الروسيتين المدنية فوق مصر والعسكرية فوق تركيا سنرصد ازدواجية التعامل الروسي في القضيتين المتقاربتين في الزمن المختلفتين في في الخسائر المادية والبشرية ...
كما نرصد كيف يتصرف الزعماء الحقيقون المنتخبون من شعوبهم .
وكيف يتصرف الانقلابيون في قضايا الامن القومي وتهديد بلدهم بشن الحرب عليها ووضعها تحت الحماية الروسية .
طائرتا ن روسيتا ن اسقطتا في ايام متقاربة جدا .... لكن التعامل الروسي ازائهما مختلف تماما .
الاولى طائرة مدنية روسية اسقطت فوق سيناء وراح ضحيتها 124 قتيل روسي بينهم نساء واطفال الخسارة هنا فادحة جدا عشرات القتلى وطائرة مدنية عملاقة .... روسيا صمتت وكأن شيئا لم يكن ... فكيف تصرفت القيادة المصرية ؟ وهل نجحت في حل الاشكال ؟ وما الذي قدمته لروسيا حتى ابتلعت روسيا لسانها وصمتت ؟ وهي التي كانت قد اعلنت عن امور تضع مصر بموجبها في حالة شبه حرب مع روسيا او انتداب اوتحت الحماية سمها ما شئت ........
الطائرة الثانية روسية اخترقت الاجواء التركية بدون وجه حق فتم تحذيرها عشر مرات في 5 دقائق فتجاهل قائدها التحذيرات فتم اسقاطها ..... طبقا لقواعد الاشتباك المعروفة والمبلغ بها الجانب الروسي في اغلب الاجتماعات مع القيادة الروسية قتل الطيار وتحطمت الطائرة وهي خسارة ضئيلة مقارنة بالطائرة المدنية التي اسقطت في شرم الشيخ ......لكن القيادة الروسية اقامت الدنيا ولم تقعدها وكل يوم يصدر وعيد وتهديدات ضد تركيا فكيف تصرفت القيادة التركية وادارت الازمة الى الان ..... ولماذا لم تغضب روسيا على مصر مثل غضبها على تركيا ....
في مشكلة اسقاط الطائرة في سيناء ورغم مسارعة التنظيم الشبح (تنظيم الدولة ) تبنيه للعملية واخلاء ساحة السلطة في مصر الا ان الروس لم يصدقوا ذلك وحملوها للعبيط (السيسي) فروسيا لا تشتري عصافير فوق الشجرة فما بالك عندما لا تكون هناك شجرة اصلا ( داعش ).
ارتبكت القيادة المصرية وارتعبت وظهر ذلك جليا في لجلجة السنة القادة وسيطرة حالة الانكار لما حدث وانهم لم يسقطوا الطائرة حتى اعلنت موسكوا ان طائرتها اسقطت بفعل تفجير. فبلعت مصر لسانها مجبرة خاضعة وصمتت فالحق ما يقرره القوي .
هنا ايقن السيسي قرب نهايته وتخيلها.. كنهاية القذافي في حادثة اسقاط طائرة بان امريكان فوق قرية لوكيربي الاسكتلندية ...... والتي لم تنتهي القضية الابعد انتهاك السيادة الليبية وتسليم معدات المفاعل النووي الليبي للولايات المتحدة الامريكية وشن حرب وضرب حصار دام اكثر من 7 سنوات ثم تم ارغام ليبيا على تسليممواطنيها المتهمين .... ولم تنتهي الا بمقتل القذافي نفسه ...... تذكر السيسي هذه النهاية المفزعة فجثى على ركبتيه سريعا امام الدب الروسي
ذهب يبحث مع مستاريه وخبرائه عن أي شيء يفتدي نظامه ويخرج نفسه من مأزق خطير كهذا المأزق فاشاروا عليه ان يعطي الروس المشروع القديم وظهرت فجأة قصة المحطة النووية في منطقة الضبعة لتوليد الكهرباء وتوقيع الطرفين عليها بشكل غريب وسريع بمبلغ عشرين مليار دولارتدفع الى الخزينة الروسية و تقوم روسيا ببناء هذه المحطة ...... فسال لعاب الدب الروسي فسكت وتوقف عن التهديدات التي كان قد بدأ يشنها ضد السلطة في مصر .... (بلد فقير لم يحسن فيه الانقلابيون انشاء مجاري يقفز لبناء محطة نووية) .تصرف النظام هنا بلا أي قيد لا دستوري ولارقابي ولا اخلاقي .
تم كل هذا بلا مناقصات ولا عروض ولا دراسات لا عن المواصفات ولا عن مستويات الامان ولا عن كيف سيتم تصريف النفايات النووية وكثير من الامور التي لم تتضح بعد....... تم سلق الموضوع كما سلق اللواء المصري الشهير اختراع دواء معالجة الايدز بالكفتة ...... كان الهدف تهدئة الروس وارضائهم وانقاذ نظام السيسي من السقوط .
تداعيات هذا الحل على مصر ......
سيتفاقم الفقر نظرا لالتهام هذا المشروع وغيره من المشاريع الطارئة والغير متوقعة الدخل القومي المصري فمصر للتو خرجت من مشكلة قتل الجيش المصري السياح المكسيكيين في صحراء سيناء . ولها تبعات مدمرة للسياحة المصرية فضلا عن دفع الخزانة المصرية للملايين من الدولارات كتعويضات .
سكوت الروس هو سكوت مؤقت ريثما يلتهمون الاموال ثم سيفتح ملف اسقاط طائرة سيناء وستكون بمثابة مسمار جحى في تعامل روسيا مع مصر .وبيئة خصبة لابتزازها كلما احتاج الروس الى الاموال .
سيفتح الشهية لمخابرات الدول الكبرى لاختلاق مشكلات من هذا القبيل لغرض الحصول على الاموال والامتيازات التجارية والاقتصادية و....و...لا سيما ان سيناء الان مفتوحة لكل انواع المخابرات الدولية
وفي هذا عودة بمصر الى زمن دولة الخديويهات الذين اغرقوا مصر بالديون بسبب فسادهم المالي مما ادى الى وضع اليد من قبل الانجليز والاوربيين وفي اخر المطاف تم احتلال مصر ...هذا ان لم تكن مصر قد دخلت ذلك العصر حقيقة .
تظافر 4 مشاكل من هذا القبيل كفيل بنسف أي مستقبل لمصر ولاجيالها أي انه لا مستقبل لمصر في ظل الانقلاب فالسياحة ضربت والاقتصاد يتدهور وما اغرى بعض الدول للاعتراف بالانقلاب الا رشاوي الشركات في بلدانها فمقابل ذلك ثم شراء طائرات رافال الفرنسية التي لم يشتريها احد من عشرين عاما وفي المانيا اتبع السيسي نفس الاسلوب ومشكلة السياح المكسيكيين لازالت ماثلة وغدا ستكون هناك اشكالات كثيرة وازاء كل مشكلة نرهن الوطن ونرهن حاضر ومستقبل الاجيال للدول الاستعمارية
وهنا يبتعد النظام المصري عن شعبه وامته .
هذه المشكلة زادت النظام ضعف وستزيده ضعف لان الملف سيظل مفتوح كما زادته غربة وبعدا عن شعبه .
ادارت القيادة التركية للازمة مع روسيا.
ادارت القيادة التركية هذه الازمة باقتدار كبير وجرأة عظيمة زادتها قوة وديناميكية ونشاط وخلقت لحمة واحدة بين القيادة والجيش والشعب.
وهنا يجب ان نقرر ان تركيا دولة مؤسسات ديمقراطية فاقت نظيراتها الاوربيات ومن الظلم لتركيا ان نقارنها بمصر انما كان ذلك لان القضية متا قربة ومتشابهة من حيث الشكل العام ومختلفة من حيث الخسارة والخصم فيها واحد هي روسيا وكلا من تركيا ومصر بلدين اسلاميين .
الرئاسة التركية سارعت صباح يوم الحادثة واصدرت بيان تقول فيه اسقطنا طائرة روسية اخترقت مجالنا الجوي بكل وضوح وقدمت المسوغات لما قامت به.
بوتين جن جنونه وطار صوابه وهو الرجل المتغطرس المغتر بقوته المجتريء على الله .....وعلى خلقه شعر الدب بالاهانة وجرح الكرامة وهوت الخبطة فكانت قوية على راسه بصورة لم يتوقعها
مما زاد الاهانة مرارة ووجعا انها جاءت من الهلال للصليب بما تحمله في طياتها من رمزية تاريخية بشقيها العسكري والديني التي جرت بين البلدين عبر تاريخ طويل وصراع مرير تغلب الروس فيها حينا وانهزموا احيانا امام قوات العثمانيين الاتراك .
اعلنت روسيا انها تخوض حربا مقدسة صليبية ضد المسلمين السوريين (لاحظوا ان البطريرك في فتواه للجنود وللشعب الروسي لم يقل ضد الفصيل الفلاني بل قال حرب صليبية مقدسة) وهذا مافهمته القيادة التركية المسلمة .ثم بدأ بوتين يحاول يؤلب الغرب المسيحي فيشير الى (ان المشكلة مع تركيا أعمق بكثير من اسقاط طائرة .. فالقيادة التركية الحالية تقوم ومنذ سنين بأسلمة تركيا ) وهنا بيت القصيد ومربط الفرس وحقيقة المعركة ولب المشكلة وعنوان المواجهة الغير معلن كما يراها حفيد القيصر .. اراد بوتين ان يوقظ الحس الصليبي لدى اوربا وحلف الناتو ويوقظ فيهم مكامن الوجع ومرابض الخوف .... مما يفعله سليل العثمانيين وحفيد ملك البرين والبحرين .... كما انه لايريد ان يعترف بالاصل الحقيقي للمشكلة وهو دخول الروس سوريا وقتل شعبها وتهجير ابنائها وتغيير واقعها لما لذلك من مخاطر عسكرية وامنية ستتحمله تركيا لايريد ان يعترف بشيء من هذا .
لقد توقع بوتين ان ينكر الرئيس أردوغان هذه التهمة ... او ان يتلجلج لسانه ويضطرب كيانه فيلجأ الى الانكار . كما يفعل بعض الرؤساء (التنابل )
فهذا بشار ما ان اهتز كرسيه واحكم عليه الثوار الحصارحتى صرخ يستدعي المحتلين في احدى مقابلاته مع تلفزيون السي ان ان قال (انا علماني وسوريا هي اخر قلاع العلمانية في المنطقة) وكانت مصر تحت حكم مرسي وثورة 25 يناير . وكأنه يقول انا الضمانة الوحيدة لكم و لاسرائيل في المنطقة . انكر دينه وخلع جلده وباع وطنه بالمزاد علنا وعلى الهواء مباشرة كل هذا من اجل ان يبقى على الكرسي .
وانا على يقين ان من لم يرفع من شأن دينه في مثل هذه المواقف وتعمد اهانة الاسلام لن يفلت من اهانة الله له في الدنيا قبل الاخرة (وأملي لهم ان كيدي متين ).
لم يحدث هذا من اردوغان بل سخر من هذا المنطق الاعوج بكل شموخ وكل اباء (أن تركيا 99% منها مسلم كيف لك ان تقول ذلك هل من المعقول أن اقول أنا روسيا تقوم بحملة نشر المسيحية ؟ انا الطيب اردوغان مسلم لذلك كيف لي ان اقوم با لاسلمة في بلدي ) .
هذا هو رد الرئيس اردوغان ليسمع العالم كله ذلك ليسمع الصغير والكبير الصديق والعدو القريب والبعيد .... فاردوغان لم ينكر دينه كما انكره بشار اردوغان لم يقل انا علماني وبلدي علماني وحكومتي علمانية اردوغان لم يكذب .
وما كان لقائد مسلم ان يكذب في موضع كهذا تحت أي ظرف من الظروف .... اردوغان لم يتخل عن مسئوليته وشعبه ويعرضهم للمساومة او المقامرة او المغامرة .كبشار .او كعلي صالح (الرئيس السابق لليمن ) عندما سئل عن الطيران الاميركي يقصف اليمنيين ويقتل الابرياء .... فرد ساخرا (جاءت من الجو ويش نعمل لها ).
انفعلت الروائية اليمنية يسرا عباس بهذا الموقف وصرخت بأعلى صوتها وقالت ( من يشتري مني جيش عفاش ... لاشتري بثمنه حذاء اردوغان .... يا نساء اليمن اجهضن ما في بطونكن ان لم تنجبن مثل اردوغان ) .
ان كلمة انا مسلم تصدر من رئيس دولة وفي عالم السياسة الحديثة هي لغة جديدة وغير معهودة انها لغة هزت اعماق مئات الملايين
من المسلمين في العالم فلامست شغاف قلوبهم ... انها لغة افتقدها الزمن واشتاقت لها الحياة .... فاخر من قالها هو السلطان عبد الحميد الثاني قبل مئة عام وتمسك بها حتى أخر انفاسه .
لقد نطق الرئيس اردوغان بوجدان وعاطفة وعقل وقلب كل مسلم فغدى اردوغان حقا زعيما للمسلمين وليس لتركيا فحسب ... ان اردوغان يفتح القلوب والعقول فيجده كل مسلم انه قريبا منه ويتحدث باسمه باحلامه واشواقه وطموحاته .. كان قريبا حبيبا لكل حر في العالم ....
ان هذه الكلمة يراها الكثير من الخبراء انها اعلان ميلاد جديد لتركيا بعد الاعلان الاول one minute ) ) في منتدى دافوس وبحضور الكثير من قيادات العالم . وعلى تركيا بقادتها الميامين ان يعملوا حساب ان لهذا الاعلان تبعات فلن تمرره الدوائر الصهيونية بسهولة ابدا .
القيادة التركية تفرغ قرار العقوبات من مضمونه
اعلان موسكو عقوبات افتصادية متنوعة على تركيا بايقاف تصدير الطاقة الغاز والبترول ... وايقاف استيراد المنتجات الزراعية التركية ماعدا الليمون ( لان الليمون يستخدمه الروس في انتاج المشروبات الكحولية الخمرية ) وامتدت الى المشاريع المشتركة بين البلدين يجدر الاشارة الى ان حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا ضخم جدا يصل الى الاربعين مليار دولار .
رب ضارة نافعة فما كادت روسيا ترغي وتزبد وتعلن مصفوفة من القرارات العقابية حتى انبرى النمور التركية لتفكيك هذه القرارات وتفريغها من محتواها فطار رئيس الجمهورية الى قطر وقام بتوقيع 12 اتفاقية استراتيجية وخرج بستة عشر مشروعا مهما بين البلدين من ضمن هذه الاتفاقات الهامة اتفاقية لشراء الغاز القطري المسال لتركيا .....
ثم غادر العاصمة انقرة رئيس الوزراء التركي احمد داوود اوغلوا الى اذربيجان (السوفيتية سابقا ) وبحث معها امكانية التسريع في مد انابيب تصدير الغاز الاذري عبر تركيا (تاناب ) الى اوربا واتفق الجانبان على انجازه قبل عام 2018 ..... واتفق الجانبان على رفع التبادل التجاري من 5 مليار الى 15 مليار دولار . وبهذه الخطوات النشطة سيصبح القرار الروسي العقابي ليس له أي قيمة عملية
وقبلها كان الرئيس اردوغان يرسل رسالة سياسية هامة والتقى برئيس اوكرينا على هامش قمة المناخ وهو الخصم اللدود لروسيا بسبب احتلال الروس لشبه جزيرة القرم ودعمهم للانفصاليين في بلاده وهي رسالة بالغة الاهمية لان بوتين استقبل نتنياهو الخصم اللدود لتركيا وللمسلمين على هامش نفس القمة .
الديناميكية النشطة لديبلوماسية تركيا ستقوض القرار الروسي وتفرغه من مضمونه تماما والمبشرات كثيرة ....
هنا لابد وان اشير الى فتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الداعية الى وجوب دعم تركيا بشراء منتجاتها وتشجيع السياحة اليها وتنشيط التبادل التجاري معها والفتوى موجهة للشعوب والحكومات العربية والاسلامية كما دعا مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز ال الشيخ الى مساندة تركيا والوقوف الى جانبها في المواجهة المحتدمة مع روسيا . وهذه هي اول مرة يكون للمؤسستين الدينيتين هذا الموقف الكبير مع تركيا .
المحنة تحولت الى منحة وحافز لتركيا لتنويع مصادر الطاقة لشعبها ولا تجعل بيضها في سلة دولة واحدة ... بل ان المحنة هذه خلقت قناعات بوجوب انشاء تحالف اقتصادي تجاري وصناعي مع الدول الاسلامية وهو واحد من الدروس المستفادة من هذه الازمة .
استطاع (اردوغان - اوغلوا ) بوضوحهم وصدقهم ان ينقلوا المواجهة وجدانيا مع روسيا الى الشارع الاسلامي فاصبح كل عربي ومسلم يشعر ان القضية قضيته هو وتخصه هو ولاتخص الشعب التركي وحده فنشطت الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي الى المقاطعة الشعبية لمنتجات روسيا التي تدمر وتحتل الشعب السوري وتهدد تركيا وتعربد في سماء المنطقة ....
القضية لم تغلق بعد ولايزال الوضع خطرا سواء فيما يتعلق بازمة مصر او تركيا واسقاط طائرتين الروسيتين ولكن نهايات المواجهة تنبي عن تفوق تركي كبير ونجاح منقطع النظير وفوائد جمة لتركيا داخليا وتركيا خارجيا مع حلفائها قطرو السعودية .