طارق أوشن
وأُسقطت الطائرة الحربية الروسية "سوخوي24" لأول مرة منذ خمسينيات القرن الماضي على يد قوات بلد عضو في الحلف الأطلسي. لم يكن البلد المعني غير تركيا وريثة دولة الخلافة الإسلامية العثمانية.
يقولون إنها الحرب العالمية الثالثة تلوح معالمها في الأفق القريب خصوصا مع ورود أنباء عن نية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضرب السعودية وقطر بعد أن يصفي حسابه مع تركيا، حليفة "الإرهابيين" التي "طعنته من الظهر".
التلويح نفسه بنذر الحرب العالمية الثالثة تقاطرت يوم قرر بوتين، دوما، ضم إقليم القرم ردا على إسقاط الرئيس الأوكراني قبل شهور. القرم لا يزال تحت السيطرة الروسية مذاك، ويبدو أن العالم نسي قصته وارتضى واقع الأمر الروسي.
يقولون إنها الحرب العالمية الثالثة في الطريق، وواقع الحال أن تلك الحرب مستمرة على أرض العرب والمسلمين منذ الغزو الأمريكي للعراق بداية الألفية، والنتيجة عراق وسوريا ويمن وليبيا وسودان ولبنان إما مدمرة أو مقسمة، ودولة وليدة اقتطعت من العراق والشام حدودا لها في انتظار تمدد معلن، ولائحة دول في المنطقة على فوهة مدفع قابل للانفجار.
وطوال تلك السنوات الماضية والحاضر الآني انتظرنا من الغرب، كما العادة، توصيف ما يجري حسب ما يراه مناسبا للبوح. وحدها "الدولة الإسلامية" الوليدة استطاعت إجبار هذا الغرب على الاعتراف بعد أن تمكنت من نقل "الحرب" إلى أراضيه وجعلها أمرا واقعا تذوقت الشعوب الغربية مرارته بعد أن ظلت في موقف المتفرج أو المتلذذ بما يجري بعيدا في الـ"هناك" الذي صار إليها أقرب من أي وقت مضى.
"إنها الحرب"، كلمتان خفيفتان على اللسان ترددتا على المسامع من كثير من ساسة وزعماء الغرب في الأيام الأخيرة، وحولتا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى رحالة من العصر الحديث يلتقي كاميرون في الإثنين وأوباما في الثلاثاء وميركل في الأربعاء وبوتين في الخميس، والمسعى توحيد صف "الأخيار" في مواجهة "الأشرار".
يتحرك فرانسوا مدعوما بتصويت برلمان بلاده يوم الأربعاء على تمديد الضربات الجوية على "الدولة الإسلامية" التي كان أقرها هو شهر يوليو الماضي.
ولأجل ذلك استدعى روح شارل ديغول، وهو الرئيس الاشتراكي، من خلال تحريك حاملة الطائرات التي تحمل اسمه في اتجاه ميدان الحرب بالعراق والشام. رد الفعل الفرنسي على هجمات 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الأخير تذكر بما أقدم عليه قائد الانقلاب بمصر بعد ذبح الأقباط المصريين بليبيا حيث تحركت طائرات الجيش و"دكت" معاقل "التنظيم" تحت وابل من الأناشيد الحماسية في قنوات التلفزيون الرسمي والخاص.
وتذكر أيضا برد الفعل الأردني على حرق الطيار معاذ الكساسبة حين توعدت المملكة بتوجيه ضربات موجعة لـ"داعش" وقاد الملك أول سرب من الطائرات في ذلك السبيل.
النتيجة أن "داعش" لا تزال "باقية وقد "تتمدد".
بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، لم تجد الولايات المتحدة الأمريكية في ظل حكم الجمهوريين غير "الحرب" سبيلا لتدمير "القاعدة". وبدل أن تتمكن من تحقيق الهدف المعلن دمرت بلدانا كاملة أفضت في الأخير إلى ولادة "داعش" أختا لدودة لقاعدة بن لادن. ويخطئ كثيرون حين يتعاملون مع "الأختين" بالمنطق نفسه والتقديرات ذاتها. القاعدة كانت تنظيما مسلحا تؤويه جماعة طالبان الحاكمة في جزء من أفغانستان.
أما داعش فدولة قائمة الذات على تراب محدد، بموارد مادية خالصة، وتنظيم إداري، و"شعب" وجيش محارب على الجبهة الداخلية ومتأهب لتنفيذ هجمات خارجية في أي زمان ومكان. والاعتقاد بأن ضربات جوية من هنا وهناك ستمكن من "قطع تمويلهم.. مطاردة قياداتهم.. تفكيك شبكاتهم، واسترجاع الأراضي التي يسيطرون عليها"، كما قال هولاند وسانده أوباما في اللقاء الصحفي الذي أعقب محادثاتهما، مجرد خيال.
الواقع يقول إن باريس تعيش على وقع حالة طوارئ تمتد لثلاثة شهور وقد تزيد، وأولى فتوحاتها 5 آلاف رصاصة في اتجاه شقة آوت عبد الحميد أباعوض وحسناء بولحسن، وشخص ثالث بهوية لا تزال مجهولة حتى اليوم، وتفتيش مهين للمصلين، وهم يدخلون مسجد باريس يوم الجمعة الأخيرة في مشهد يذكر بمعاناة مستمرة في القدس منذ عقود. وبروكسيل، العاصمة الأوربية، صارت مدينة أشباح منذ أيام، وباماكو أعلنت حالة الطوارئ مدة شهر، وهي المدة نفسها التي ستدومها الحالة بتونس، وكثير من عواصم العالم تعيش تأهبا أمنيا في درجاته القصوى تحسبا لهجمات.
وبين هذا وذاك استعانة بالجيش لتأمين الأفلااد والممتلكات، وهو أمر ما كان منتظرا من دول جعلت للجيش ثكنات تؤويه وتمنعه من التدخل في تدبير الدولة المدنية وأمورها.
هي حالة طوارئ عالمية تمكنت "الدولة الإسلامية" من خلالها تحقيق نوع من معادلة توازن الرعب كما نادت به في "أدبياتها" المنطلقة من مفهوم "إدارة التوحش" حيث تعتبر أن "أفحش درجات التوحش أخف من الاستقرار تحت نظام الكفر.. لأننا إذا نجحنا فيها، فهي المعبر نحو الدولة الإسلامية المنتظرة".
في فيلم "الحرب العالمية الثالثة" المنتج سنة 2014 للمخرج أحمد الجندي، الذي تدور أحداثه داخل متحف شمع يضم مجموعة تماثيل لأشهر شخصيات التاريخ . تدب الحياة في هذه التماثيل بعد منتصف الليل وحتى الساعة الخامسة صباحا.
داخل متحف الشمع يتجه تمثال "علاء الدين" المتحرك ليفتح بوابة القفص لأسد قصر النيل. يحاول جنى المصباح السحري ثنيه عن ذلك فالأسد مأمور بالتهامه والقضاء عليه.
الجني: بتعمل إيه يا اسطى؟
علاء الدين: ح أثبت لهم أني مش كارتون يا سيد. حسجل اسمي في التاريخ زيهم.
كان تماثيل لشخصيات من مختلف الحقب تتنازع كتابا سحريا في ساحة المتحف يمكن صاحبه من التحكم في التماثيل وتوجيهها حسب هواه. وكان بينهم هتلر وعرابي وغاندي وتوت غنخ امون وأبو لهب...
يحصل هتلر على الكتاب وهو القائد لأشرار التاريخ.
هتلر: شفتو بقا مين ايلي ضحك في الآخر. أنا! هتلر خسر مرة، ميخسرش مرتين.
يجري علاء الدين ويحتمي وراء هتلر. يرتمي الأسد عليهما ليتسبب في تدميرهما معا.
هي عملية انتحارية أقدم عليها علاء الدين سعيا منه لقتل الشر ولدخول التاريخ.
داعش إذن تبدو عارفة لما تريده ومحددة لما تسعى لتحقيقه. وفي الجانب المواجه، تشرذم دولي تختلف حساباته من دولة لأخرى ومن محور لآخر للدرجة التي يتهم فيها سليل ال"كي جي بي" ووريث النظام السوفياتي، ورثة الخلافة العثمانية بـ"مساندة الإرهابيين"، بل إنه أعلن موافقته على اقتراح فرنسي بإغلاق الحدود السورية التركية منعا لتسلل المقاتلين دخولا وخروجا، وهما الساعيان إلى استعادة أمجاد الماضي بحسابات حاضر متغير وغير مستقر.
روسيا التي استباحت، دون استئذان، أجواء الشرق الأوسط وأجبرت بيروت، الحلقة الأضعف في الصراع، على إبقاء طائراته في الأرض أو تغيير مساراتها قبل أيام لحاجات مناورات بحرية روسية بالقرب من الحدود البحرية الإقليمية للبنان، الذي ظنناه خرج من العباءة السورية منذ انسحاب الجيش الأسدي قبل سنوات فنراه واقعا تحت العباءة الروسية، والفرق في ترتيب الحروف في الاسم ليس إلا.
هي حدود الشرق الأوسط مربط الفرس في الحرب العالمية الثالثة، هدفها تغيير خرائط سايكس بيكو كما تعلنه "الدولة الإسلامية" نفسها. أطراف الحرب متفقون على الهدف الإستراتيجي لكنهم مختلفون في التكتيك أو يسعون في سبيل تحقيق الهدف الأكبر إلى تجميع نقاط وبناء تحالفات لمستقبل منظور أو بعيد. وفي كل الحالات يبدو العرب والمسلمون مجرد قوم تبَع مستسلمون لمصير مظلم يساقون إليه تشرذما وانقساما وقهر واستعبادا.
عود على بدء..
وأُسقطت الطائرة الحربية الروسية سوخوي 24، لأول مرة منذ خمسينيات القرن الماضي، على يد قوات بلد عضو في الحلف الأطلسي. لم يكن البلد المعني غير تركيا وريثة دولة الخلافة العثمانية التي تفككت نتيجة لمآلات الحرب العالمية الأولى بعد أن أعلنت روسيا الحرب عليها واقتدت بها كل من بريطانيا وفرنسا....
عربي 21