أسعد البصري
صرّح إعلامي سعودي مؤخرا على قناة الجزيرة بأن السعودية وقطر وتركيا، ومؤخرا باكستان، تدعم المعارضة المسلحة السورية، ويصف الدعم بأنه غير معلن ومشابه تماما للدعم السعودي للمجاهدين الأفغان في الثمانينات من القرن الماضي.
هل يسعى العرب حقا لتأسيس تجربة ديمقراطية ناجحة في سوريا؟ أم يسمحون بدولة إسلامية قوية عاصمتها دمشق؟ أو كل ما سيحدث بعد بشار الأسد هو حرب أهلية أو دولة فاشلة؟ لعلنا أمام حرب جيوسياسية بين إيران وجيرانها يذهب ضحيتها المدنيون السوريون؟
لمصلحة مَن نحرّض السنة على القتال في سوريا والعراق؟ السنة موجودون بكل الدول العربية ولو تمردوا بالسلاح على أي نظام عربي فسيدكّهم بالصواريخ أيضا. ثم لماذا الشعب السوري مصمم على الثورة، بينما الشعب المصري قد غير رأيه بسرعة؟ هل الشعب السوري أكثر عنفا من المصري؟ أم أن الحقيقة لا يوجد دعم مالي وعسكري للمصريين؟
الحكومات العربية ترى في إيران خطرا على أنظمتها ويذهب الشعب السوري ضحية صراع من هذا النوع. الآن روسيا دولة عظمى تدعم بشار الأسد ونحن نعاند لماذا؟ لأننا لا يمكن أن نرضخ ونركع ونستسلم.
طوال أعمارنا ونحن نرضخ ونستسلم ونخاف الحكومات فما عدا مما بدا؟ وهنا خطورة الدولة الإسلامية لأن خطابها منسجم وليس انتقائيا. الجماعة تقاتل المعارضة السورية نفسها لأنها مأجورة وبلا قضية في نظرهم. فالهدف بالنسبة إلى الدواعش يتعدى مسألة إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.
ما فائدة استلام السنة الحكم بسوريا؟ ما فائدة تحول سوريا إلى ليبيا ثانية في حال مقتل الأسد كمقتل القذافي؟ وفي أحسن الأحوال تصبح سوريا دولة قمعية مثلها مثل الكثير من الدول العربية القهرية. خطابنا يدور حول قضية واحدة غريزية وهي “السنة والشيعة” كما لو أننا نتعرض لخدعة كبيرة.
نحن شعوب خائفة، عندنا مشكلة في الديمقراطية بمعنى أن الصراع العربي اليوم هو بين حكومات مخابراتية من جهة، وتنظيم إرهابي مثل داعش من جهة أخرى، بينهما الناس البسطاء العاديون الخائفون من الجانبين. أما إيران فتدور في فلك آخر تماما. إيران قامت بأهم ثورة في القرن العشرين وهي تعظّم عقيدتها الإسلامية الشيعية وتصدح بها، لا يطاردون الإسلاميين ولا يضعونهم بالسجون مثلنا، المشكلة عندنا وليست عند إيران.
لماذا إيران خطر على المنطقة؟ هل هذا لأن الفرس عنصريون ومجوس وشيعة؟ أم لأن إيران دولة دينية شيعية صريحة علنا، “دولة فقهاء”، وهذا يهدد الأنظمة العربية التي تحارب الإسلام السياسي. إيران تستفز بنجاحها السياسي الإسلام السني، ممّا يهدد بانفجار المنطقة. فالإسلام السياسي الإيراني يبعث على إسلام سياسي مقابل.
حرب الثماني سنوات مع العراق لم تنفع، حصار وعقوبات لثلاثين سنة لم تنفع، الآن انتشرت إيران بالمنطقة وسيتم رفع العقوبات. والإسلام السني بالمقابل يغلي بين داعش والإخوان المسلمين، فلا يمكن أن ينجح الشيعة ببناء دولة إسلامية قوية ويفشل السنة ببناء نموذج مماثل.
الملايين التي تملأ المساجد في صلوات الجمعة يستفزها النجاح الإسلامي الشيعي في إيران، خصوصا في ظل غياب أنظمة حكم ديمقراطية واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. هذا هو الخطر الذي تمثله ثورة إسلامية شيعية تؤدي، بالاحتكاك، إلى ثورة إسلامية سنية مضادة، لا تشكل خطرا على إيران بل تهدد جغرافيا الدول العربية.
العرب يحاولون إتمام صفقة مع الإخوان المسلمين وتركيا في سوريا، وأخرى مع إيران في العراق، إلا أن الوقت ربما قد أدركنا حقا على مثل هذه الحلول.