عبدالواسع الفاتكي
أن تكن المملكة العربية السعودية ، هي الدولة الأبرز ذات التأثير العميق في الشأن اليمني ، لا يجعلنا نجافي الحقيقة ، حين ننظر لليمن بأنه مشكلة سعودية بامتياز ، فالسعودية في نظر كثير من اليمنيين ، صانعة لأحداث المشهد والأبطال الذين يؤدون الدور على خشبة المسرح اليمني ، الذي كان مألوفا جدا لكتاب السيناريو في الرياض ، فكل من اليمن والسعودية يمثل عمقا استراتيجيا بالنسبة للآخر ؛ ولذلك كانت ومازالت الرياض لاعبا أساسيا في الأحداث اليمنية ، وحاضرة بقوة حتى في تفاصيلها.
إن السياسة السعودية تجاه اليمن ، تشهد في هذه الآونة خريفها ، الذي تحصد فيه نتائج أخطائها المتراكمة ، لما يزيد على خمسة عقود ؛ لأنها لم تكن في معظمها مدروسة ، ولاتصب بمجملها في مصلحة الشعب اليمني والشعوب المجاورة ، الأمر الذي جعل اليمن ساحة مفتوحة لتداعيات كارثية ، تهدد ببتر اليمن من الجسد العربي ، وتحويله لنقطة ارتكاز متقدمة ، تستخدمها إيران ؛ لالتهام ما تبقى من الكيان العربي في الجزيرة والخليج.
تعاملت السعودية مع الملف اليمني ، بأن اعتمدت على التعامل مع سلطة ، بالرغم من فسادها واستبدادها ، وعلى كسب شخصيات سياسية وزعامات قبلية ، بإغداق الأموال عليها ؛ لشراء ولاءاتها ، بلا قيمة سياسية ، لها تأثير كبير عند الحاجة إليها ، ناهيك عن أن تلك الزعامات ، هي التي عانى منها اليمنيون الكثير ، وأعاقتهم عن بناء دولتهم المدنية ، وكانت يد المخلوع صالح ، التي سخرها ؛ لضرب أي حركة وطنية ، مثلما يسخرها الآن ؛ لخدمة المشروع الإيراني ، وإن كان جلها في الرياض ، وأعلنت تخليها عن صالح ، وتأييدها للشرعية ؛ حفاظا على مكاسبها وامتيازاتها التي تحصل عليها من السعودية ، إلا أن قبائلها مازالت هي الحاضنة الشعبية لمليشيات الحوثيين والمخلوع صالح ، وهي التي تمدها بالمقاتلين في كافة جبهات القتال ، فهذه الزعامات دائما ما تركض وراء مصالحها الخاصة ، متخلية عن أي مسؤولية وطنية ، محكومة مواقفها بمقدار ما يعود عليها من مكاسب ، كل ذلك جنت منه السعودية استنزاف أموال بلامردود ، جاعلة نفوذها في اليمن ارتزاقيا ، مرهونا بمكاسب ومصالح ثلة من الشخصيات ، التي أثخنت في اليمنيين فسادا وفقرا ، مشوهة صورتها أمام اليمنيين ، بأنها هي من كانت ومازالت تدعم بؤر الفساد والاستبداد ، والعجيب أن من أبرز من يتهمها في ذلك ، من هو مدين لها ، باعتلائه السلطة لثلاثة عقود ونيف ، وحضوره فيها بعد ثورة عارمة ضده ، المخلوع صالح ووسائل إعلامه ، وهذا مثال حي وصارخ ، لأخطاء السعودية القاتلة في اليمن ، والتي أفقدتها تعاطف وحماس الشعب اليمني وآلة قيادته الفعالة.
كان موقف السعودية من ثورة 11فبراير2011م ، هو امتداد للسياسة التي تبنتها حيال ثورات الربيع العربي ، التي كانت تنظر إليها ، بأنها مؤمرات برعاية خارجية ؛ ولذلك أخذت على عاتقها إفراغ ثورة فبراير من مضمونها ، فحولتها عبر مبادرة تبنتها ورعتها ، من ثورة شعبية لأزمة سياسية ، بين نظام المخلوع صالح واللقاء المشترك ، مانحة صالح وأركان نظامه استمرار البقاء ، وحصانة من الجزاء ، متحدية الإرادة الشعبية اليمنية ، بزعم الحيلولة دون نشوب الحرب الأهلية ، ولم تكتف الرياض بذلك ، بل كان لها الدور الكبير ، منذ سقوط محافظة عمران في يوليو 2014م بيد المليشيات الحوثية ، بأن تضحي بالدولة اليمنية والوحدة الوطنية ؛ من أجل تكتيك سياسي ، يهدف لإعادة سياسة السلطة في اليمن ، وإعادة رسم خارطته من جديد ، بما يضمن إزاحة حركة الإخوان المسلمين ، المصنفة لديها بأنها حركة إرهابية ، من المشهد السياسي اليمني ، نتج عن ذلك استبدال خطر إخواني محتمل ، بخطر حوثي إيراني أكيد وأشد خطرا ، قوض بنى الدولة اليمنية ، وسفك مزيدا من الدماء ، ومزق النسيج الاجتماعي اليمني ، ودفع بالسلطة الشرعية الانتقالية ممثلة بالرئيس هادي وحكومة بحاح لتفر للرياض ، التي قادت تدخلا عسكريا عربيا ؛ لدحر مليشيات الانقلاب وإعادة الشرعية .
جانبت الرياض الصواب حين سلمت اليمن لإيران ، من بوابة محاربة الإخوان ، وجانبته عندما أرادت استعادته ، عبر ريادتها لعمليات عسكرية مباشرة ، ضد مليشيات الانقلاب ذات كلفة عالية ، وأكسبت تلك المليشيات مكاسب جيوسياسية ، لم تكن لتحصل عليها ، لولا التدخل العسكري السعودي ، الذي حولها من مليشيات انقلابية معتدية ، إلى فصيل وطني معتدى عليه ، ويدافع عن الوطن ضد ما تسميه العدوان الخارجي ، وجعل الجيش الوطني والمقاومة الشعبية ، التي تقف في طريق المليشيات مرتزقة للعدوان ، ما مكن الانقلابيين ، من استمرار الحشد لساحات القتال ومنحها صمودا أكثر ، مستغلة عواطف وجهل كثير من أبناء القبائل ، ومن الأهمية أن نشير ، إلى أن العمليات العسكرية للتحالف العربي ضد مليشيات الانقلاب ، سوقت تلك المليشيات في الخارج ، وسلطت الأضواء عليها ، وجعلتها محل تواصل واهتمام أطراف دولية ، إضافة لإعطاء هذه المليشيات بعدا دوليا ، تكون من خلاله تحالفات ، تنقل الملف اليمني من انقلاب لمليشيات خارجة عن الدستور والقانون لتسوية وتفاهمات دولية وإقليمية ، لا تسقط الانقلاب ، ولا تسمح للشعب اليمني بإسقاطه.
إذا كان انقلاب 21 سبتمبر 2014م ، قدم نفسه كثورة ، فكان الأحرى بالسعودية لإسقاطه ، أن ترعى قيام انتفاضة وثورة شعبية ضده ، وأن يقتصر دعمها العسكري المباشر لها ، على إخراج سلاح الجو اليمني عن الجاهزية ؛ كي لا يستخدمه الانقلابيون ، وأن ترفع الغطاء الممنوح للمخلوع صالح وأعوانه ، الذين كان لهم الدور الكبير في نجاح الانقلاب ، وأن تساند القوى الوطنية والثورية ، وتدعم القادة العسكريين الوطنيين ؛ للملمة الجيش الوطني وإعادة ترتيب صفوفه ، مع إمداده بما يحتاجه من سلاح ؛ لحسم المعركة والتخلص من الانقلاب ، وبسط السيطرة على كامل التراب اليمني ، قاطعة الطريق أمام تدويل الشأن اليمني وارتهانه لحسابات إقليمية ودولية ، بعيدة كل البعد عن مصلحة اليمن وجيرانه.
يمر اليمن بمرحلة مفصلية وخطيرة ، تحتم على السعودية إعادة تقييم سياستها تجاهها ، بنوع من الموضوعية والتجرد العلمي والسياسي ، بما يمنحها القدرة على التعامل الصحيح مع كل ما تشهده الساحة اليمنية ؛ لإخراج اليمن من دوامة الحرب التي تعصف به ؛ وإلا فإن النتائج ستكن وخيمة ، والأضرار التي ستطال اليمن والسعودية ستكن جسيمة ، موازية لحجم أخطاء السياسية السعودية تجاه اليمن ، قصدت أم لم تكن مقصودة ، والتي غيبته عن الأمن والاستقرار لفترة ليست بالقصيرة .