الأرشيف

مسؤوليات التحالف واستعادة الدولة اليمنية

الأرشيف
الاثنين ، ٠٩ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ١٠:١٠ صباحاً

عبدالواسع الفاتكي


من الخطأ أن نتصور أن انقلاب 21 سبتمبر 2014م ، ما كان له أن يسقط العاصمة صنعاء ، ويسيطر على المؤسسات الحكومية المدنية والعسكرية ، ويتمدد ؛ ليسيطر على بقية المحافظات اليمنية ، لولا الدعم الخارجي الذي تلقاه الانقلاب من طهران ، الذي لا يختلف فيه اثنان ، ولا تنكره إيران ، إذ أن هذا التصور يعطينا قراءة ناقصة ، وتسطيح مخل للعوامل والظروف ، التي ألقت باليمنيين لساحة الموت والدمار والجوع والتشرد ، فانقلاب مليشيات الحوثيين وحليفهم المخلوع علي صالح ، ليست إلا خلاصة فشل اليمنيين ، في تتويج نضالهم الوطني ، ببناء دولة وطنية ، ترعى مصالحهم ، ملبية لطموحاتهم ، وخاضعة للدستور والقانون ، فقبل انطلاق ثورات الربيع العربي ، كانت الدولة اليمنية مصنفة عالميا ، حسب تقارير كثير من المنظمات الدولية ، بأنها دولة فاشلة ، أخفقت في تأدية وظائفها أمام المجتمع اليمني ؛ ولذلك جاءت ثورة 11فبراير 2011م ، ثورة شعبية سلمية ، خرج فيها اليمنيون ؛ من أجل الحرية والحياة الكريمة ، متحلين بالصبر والمثابرة والإرادة القوية ؛ لإسقاط نظام المخلوع صالح ، الذي حول مشروع الدولة إلى سلطة ، يتم تقاسم امتيازاتها ، بنسب متفاوتة بين أعمدة وأركان النظام ، وعندما حاول المخلوع صالح بكل السبل ، أن يجر ثورة فبراير لمربع العنف ، مستخدما القوة المفرطة في قمع المسيرات والاعتصامات ، أدرك الأشقاء والأصدقاء في الإقليم والعالم ، بأن من الضروري قطع الطريق أمام خيار العنف ، فجاءت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ، كخارطة طريق لنقل اليمن إلى حكم ديمقراطي رشيد ، عبر مرحلة انتقالية ، حددت مهامها ، ورتبت خطواتها، بيد أن هذه المرحلة فشلت في تحقيق أهدافها ، باستثناء عقد مؤتمر الحوار الوطني ، وصياغة دستور جديد للبلاد، وهذا الفشل يعد بمثابة كارثة عظمى ، بالنظر لحجم الدمار الذي حل باليمن ، وتحولها لساحة حرب بأبعادها الداخلية والإقليمية والدولية .

 


إذا أرادت القوى الوطنية اليمنية ، ومن خلفها المملكة العربية السعودية ، باعتبارها هي من تقود التحالف العربي ، أن تضع اليمن على طريق الاستقرار والتمنية ، فلا مناص من معرفة الأسباب ، التي حرفت المرحلة الانتقالية عن مسارها ، وانتهت بشرعية في المنفى، ورئيس يستنجد بالتحالف العربي ، أن يعيد له من الجو ، ما كان قد حاز عليه في الأرض ، بتوافق وطني ، ممهور بتزكية اليمنيين في 21 فبراير 2012م ، يأتي في مقدمتها ، عدم اتخاذ خطوات جادة ومدروسة ، في إصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية ، التي انقادت بسهولة وراء مليشيات الحوثيين ؛ لتخوض حربا ضد الوطن ، وأما الإجراءات التي اتخذت ، تحت مسمى هيكلة الجيش والأمن ، تحكمت بها حسابات لا وطنية ، وتمت في سياق سياسة الإرضاء والاسترضاء ، وتبادل المواقع القيادية لا غير .

 


وإذا كانت المبادرة الخليجية جاءت كتسوية سياسية في مناخ ثوري ؛ للحيلولة دون دخول اليمن في حرب أهلية ، كما يقول رعاتها ، إلا أن المنجز الوحيد لها ، هو تأخير وقوع الحرب الأهلية ، ومنح فرصة للثورة المضادة ؛ لترتيب وضعها ، ونسف المرحلة الانتقالية ، التي لم تشهد أي إصلاحات حقيقة ، ولو بحدودها الدنيا ، يستحيل معها الانقلاب على شرعية التوافق الوطني ، مما مكن الثورة المضادة من تنفيذ انقلاب ، وتسويقه على أنه ثورة بديلة ، متشحة بوشاح الشرعية الثورية !! ساعدها في ذلك ، استفادتها من منح المبادرة الخليجية ، للمخلوع صالح ، وفريقه العامل معه خلال سنوات حكمه حصانة مجانية ، وبقائه في المشهد السياسي رئيسا للمؤتمر الشعبي العام، الذي أعطته المبادرة نصف مقاعد حكومة الوفاق الوطني ، وهذا يعود ، إما لضعف أداء الأطراف الممثلة لثورة فبراير ، التي وقعت معه على المبادرة الخليجية ، أو لإصرار رعاة المبادرة ، على عدم خروج المخلوع صالح آنذاك من المشهد السياسي برمته ، كعصا غليظة ترفع في وجه قوى ثورة فبراير ، متى ما شعر رعاة المبادرة بخروجها عن أهدافهم ، كما استغل انقلاب 21 سبتمبر 2014م ، ضعف وركاكة أداء قائد المرحلة الانتقالية الرئيس عبدربه منصور هادي ، الذي لم يحسن استثمار الحالة الثورية القائمة في اليمن ، والدعم الملحوظ الذي حظي به إقليميا ودوليا ؛ ليخرج اليمن لبر الأمان .

 


إنهاء التحالف العربي تدخله العسكري في اليمن ، بتسوية سياسية بين مليشيات الانقلاب ، وسلطة شرعية، فقدت كثيرا من ثقة الشارع اليمني ؛ جراء سوء إدارتها للمرحلة الانتقالية ، وعجزها عن الحفاظ على ما تبقى من كيان الدولة اليمنية الهش ، دون أن تتضمن هذه التسوية ، قبل الشروع في أي استحقاقات ، تخلي مسؤولية التحالف القانونية والأخلاقية ، أمام الشعب اليمني ، وتضع اليمنيين أمام مسؤوليتهم عن خيارهم وقراراهم، الدخول في فترة انتقالية أخرى ، يتم فيها بناء مؤسسات الدولة اليمنية ، بناء وطنيا سليما ، وعلى رأسها مؤسسة الجيش والأمن ، وإعادة الإعمار ، والسعي لوضع الأسس السليمة لتنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة ، ولتحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية ، والمضي قدما نحو بناء نظام ديمقراطي متكامل ، بما في ذلك إصلاح الإدارة المحلية والقضاء والخدمة المدنية ، والإعلام الذي يلي الجيش والأمن في خطورته ، كسلطة ناعمة ذات تأثير شديد على اتجاهات الرأي العام ، فالذهاب لانتخابات رئاسية وبرلمانية ، في ظل دولة غير ناجزة ، وليست مؤهلة لحماية خيارات اليمنيين ، يمنح الكانتونات اللاوطنية قسطا من الراحة فقط ؛ لتعاود الظهور حينما تريد ، ويحتفظ ببؤر الصراع ؛ لتظهر متى سنحت لها الفرصة .

 


إذا كانت العبرة في النتائج ، التي سيفضي إليها التدخل العسكري للتحالف في اليمن ، لا في الشعارات والتصريحات ، التي سبقت هذا التدخل ورافقته ، فإن اليمنيين لا يرون في تلك النتائج تحديد مصيرهم فحسب ، بل مصيرهم ومصير جيرانهم، فهل ستعي دول التحالف العربي لاسيما دول الخليج هذه الحقيقة ؟ أم أن لها حساباتها الخاصة ، والتي ستجعل نتائج عاصفتي الحزم والأمل في اليمن ، تشبه نتائج الحرب التي شنت على العراق عام2003م بمبرر تحريره !!.

 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)