حبيب العزي
سأكون مجافياً للحقيقة، إذا قلت إنني لم أكن سعيداً بفوز حزب العدالة والتنمية التركي، الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب ردوغان، في الانتخابات البرلمانية الأسبوع الماضي، ولم أشارك في الاحتفال بذاك الفوز المفصلي والمهم، ليس لتركيا وحسب، وإنما لدول الإقليم وللأمة بأسرها، وإن على طريقتي الخاصة.
ليست سعادتي ناتجة بالضرورة عن أسباب عاطفية، تتعلق بأيديولوجيا ذاك الحزب التي قد أتلاقى معها فكرياً وسياسياً، وإنما كانت لأجل انتصار "الأنموذج" الديمقراطي الفريد، والوحيد في المنطقة، في وجه ذاك الإعصار والتسونامي البغيض، متعدد الأطراف والأعداء الذي ما فتئ، طوال السنوات الماضية، يُخطط لاغتياله ووأده، فانقلب اليوم خائباً ومهزوماً، بفضل ذاك الوعي والنضج السياسي، الذي يتمتع به الشعب التركي.
صحيح أن مظاهر الاحتفالات والابتهاج بذاك الفوز، لحزب العدالة والتنمية التركي، ترددت أصداؤها في القُدس وغزة، كما في دمشق وبغداد، والقاهرة والرياض أيضاً، بل وفي كل العواصم العربية تقريباً، ربما لثقل تركيا ووزنها السياسي والاقتصادي في المنطقة من جهة، ولتأثيرها المباشر في أهم ملفات الصراع الدائر حالياً بالعالم العربي، وأولها فلسطين، ثم سورية واليمن والعراق من جهة أخرى.
لكننا لا نجادل أبداً، بأن احتفالات جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها، في كل مكان من العالم تقريباً، وخصوصاً في العالم العربي، كانت الأكثر بروزاً ووضوحاً للعيان، وسبب ذلك بتقديري مواقف تركيا إزاء تلك الجماعة، في محطات مهمة عديدة كان أبرزها موقف تركيا من الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في مصر، كما ولفتحها أبوابها، واحتضانها كل القيادات السياسية والدينية، المحسوبة على تلك الجماعة، التي كانت قد لجأت إليها هرباً من بطش الأنظمة الدكتاتورية ببلدانها في العالم العربي.
لعل المهم أيضاً الذي جعل مظاهر الابتهاج والاحتفال بذاك الفوز في العالم العربي، أكثر منها في تركيا، أكان من أنصار جماعة الإخوان المسلمين، أو من عموم الشعوب العربية، هو الخوف من اغتيال ذاك الأنموذج الفريد والناجح، الذي باتت تتطلع لمحاكاته شعوب المنطقة، وبالتالي القضاء على ما تبقى من أحلامها في الحرية والكرامة.
أضف إلى ذلك أن تركيا باتت في ذهن المواطن العربي أشبه بالملاذ الذي يتشبث به، ويعول عليها كثيراً في مساعدته والأخذ بيده، خصوصاً بعد مواقفها إلى جانب إرادة الشعوب العربية، وخصوصاً في بلدان الربيع العربي التي شهدت ثورات شعبية عارمة في الأعوام الماضية، كما مواقفها المبدئية والمشرِّفة، في قضية فلسطين وغزة على وجه الخصوص.
لا نجادل أيضاً، في أن العاطفة الدينية، قد تجلت بوضوح في كثير من مظاهر تلك الاحتفالات، وبخاصة من الإسلاميين عموماً، الذين يجب عليهم أن يدركوا جيداً، وخصوصاً في العالم العربي، أن الشعب التركي لم يختر أردوغان وحزبه لكونهم إسلاميين أو متدينين، وإنما لنجاحهم المبهر في بناء اقتصاد تركيا والنهوض بها. ولأجل ذلك، لا يجب أن تأخذهم العواطف الدينية، أو تأخذنا معهم بعيداً، فنقع في فخ مرضنا المزمن، عرباً ومسلمين، وهي أننا شعوب عاطفية، وتلك مصيبتنا الكبرى.