محمد الحكيمي
لا يكاد يسمع الواحد منا عن اليمن، إلا وتتقافز اسم تعز إلى الأسماع، ذلك أنها تكاد تحتوي كل اليمن، وتستوعب كل الأطياف في بوتقة واحدة، تتآلف فيها الأضداد، ويرسم الاختلاف فيها لوحته المميزة التي تأتي بكل الألوان، فتعز هي العقل الجمعي لليمن الذي يحلم بدولة النظام والقانون والمؤسسات والدولة المدنية الحديثة، ولأن الحلم ما زال متقدا في عقول وألباب أبنائها فهي تسمى "المدينة الحالمة"، وهو الحلم الذي لا ينتهي مسار أطيافه.
كان لتعز دورها الرائد في ثورة 11 فبراير التي أطاحت علي عبدالله صالح، فهي الشرارة وهي الساحة التي احتوت الثوار، وهي الفكرة التي انطلقت منها أهداف الثورة ومبادئها، فقد كانت ساحة الحرية هي المعلم الرئيسي لثورة الشعب السلمية، ومنها تم صياغة حلم اليمنيين بالدولة المدنية والديمقراطية الحديثة، أي أن تعز هي من حولت الفكرة إلى ثورة وهي تسطر أروع ملاحم النضال السلمي، فأنهكت بصمودها القتلة وأشعلت جنونهم ليشعلوا ساحتها بنار أحقادهم في جريمة بشعة لم يشهد لها تاريخ اليمنيين مثيلا، وخرجت المدينة الحالمة من كل ذلك وهي تبتسم وتلوح بعلامة النصر، فبقت تعز وذهب المخلوع صالح إلى مزبلة التاريخ.
وكما أتقنت تعز فلسفة النضال السلمي، احترفت فنون الكفاح المسلح، وهي تحمل البندقية في مواجهة المليشيات الحوثية والعفاشية التي أرادت النيل من هذه المدينة، وعلمت الغزاة درسا مفاده أن من يحمل القلم هو بالضرورة يتقن حمل السلاح حين يكون لا مفر من حمله، فالمدينة الحالمة تصدرت المشهد المقاوم أيضا كمفردة تختصر كل معاني الرجولة والبطولة والإباء.
تعز في مواجهة أعداء النور أذابت كل الانتماءات الضيقة لأبنائها، وجعلتهم لا ينتمون إلا إليها وإلى حلمها في الانتصار للدولة والانتصار للنظام والقانون، فحمل الجميع سلاحهم تحت راية واحدة، وأتقنوا القتال وأبهروا وأدهشوا، وسطروا ملاحم الفجر التي نسجت خيوط الشمس من وسط الظلام.
مثلت تجربة فريدة في رسم لوحة التجانس بين أبطالها الميامين فعدنان الحمادي يصافح الشيخ حمود سعيد، ونبيل الواصلي يحتضن صادق سرحان، وعارف جامل يمشي كتفا بكتف مع الشراجي، ويجتمع الاشتراكي والسلفي والقومي والاخواني للدفاع عن قضية واحدة وأمل واحد، وتظهر تعز من جديد في ريادتها لمشهد المقاومة من خلال استبسال شبابها المقاوم الذي أثبت أنه يجيد حمل السلاح كما يجيد حمل القلم.
تعز هي حاضنة الحركة الوطنية اليمنية في التاريخ الحديث والمعاصر، فمنها انطلقت طلائع ثورتي سبتمبر وأكتوبر، كما أنها احتوت الثوار ومثلت المنهل الفكري لهم ولأهدافهم التنويرية التي شع ضياءها في كل اليمن الذي يبدأ تحريره من تحرير تعز.
*العربي الجديد