الأرشيف

الخمسة الأوجاع

الأرشيف
الخميس ، ٢٢ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ١٠:٣٩ صباحاً

حمود علي الزليل


بعيدا عن الوطنية تجاه الانقلاب والعصابة الحوثية يتداخل الهم الوطني بالوجع الذاتي ... فالجريمة التي ارتكبها هؤلاء ألقت بظلالها على ماهو جمعي . بالانقضاض على الشرعية وتداعيات ذلك من ازمات وحروب .. وعلى ماهو شخصي من خلال الأضرار المباشرة التي وقعت على عشرات الالاف من أبناء هذا الوطن الجريح ... بين مواطن فقد أهله وبيته ومصدر رزقه بضربات دبابة انقلابية او قصف طيران عربي ... إلى جريح بإصابة خفيفة في جسمه نجا من الموت باعجوبة .. وكل مايخطر في بالك من نماذج بينهما فهو واقع ،رصد أم لم يرصد ، علم ام لم يعلم ، نشر ام لم ينشر .

تجربتي كمواطن بسيط من سكان امانة العاصمة احسبها كافية لتبرير رفض الانقلاب والحركة بعيدا عن الشعارات الوطنية المطعون فيها تبادليا من ثنائية رافضي الانقلاب وممجديه ... وهي موجز عام مضى هو الاسوأ في تاريخ اليمن معاصره وحديثه بشهادة كل ذي رشد لا يتعصب ولا يخاف ولا يماري ... انها خماسية مختارة كخطوط عريضة مر بها او باسوا منها كل مواطن يمني .. واليكم :

# الوجع الاول :
في 19 من سبتمبر 2014 دخلت جحافل الثورة السلمية مدججة بانواع الاسلحة المتوسطة والخفيفة وكان مدخلها من جهة همدان .. اشتعلت السماء نيرانا .. اصوات البنادق من كل الجهات الخمس ..قرب تبة صادق كانت حارتنا .. تحرسها نقطتان واطقم عسكرية ... تبخرت قبل دخول اول طلائع العكفة ... الهلع يملأ الاحياء المجتاحة .. كل متحرك اصبح مشروع جريح او شهيد من وابل الرصاص الكثيف ... في نصف ساعة فقط اصبحت حارتنا بلا نفط رغم المحطات الخمس المحيطة بها .. ودون خضار ولادجاج ولا لحم رغم كثرة الخضريين والقصابين بها ... فزع الاطفال وخوف النساء والشعور بالمسؤولية والعجز اضطر غالبية سكان الاحياء للمغادرة سريعا وتحمل مشقة السفر وتكاليفه ... وكان النزوح الاول لابناء العاصمة التي لم يعصمها الجيش الرابع عربيا ، والامن الالف عالميا ... حيث تلاشوا تكتيكيا ليلزموا الحياد في حرب شوارع اريد لها ان تكون ولم تكن ، لان طرفا اثر العقل والسلم ، او الحذر والانحناء ... وتصور انسانا واسرته يجبر على ترك منزله والرحيل في اقل من ساعة واحدة .

# الوجع الثاني :
انه النزوح الثاني ... بعد النثرة والمقلب والاعلان الديكوري في ابريل 2015 .. واحتجاز مسودة الدستور وارتهان الدولة والحكومة واعتقال ثم مطاردة الرئيس التوافقي والقائد الاعلى لتصفيته باحدى طائرات جيشه ، دون ان يعلم مواطنوه له ذنبا الا تواطأه المريب مع المنقلبين عليه
... تلك التداعيات لسقوط صنعا وانسداد الافقين الشعبي في القدرة على التاثير والسياسي في الحوار التكميلي المتزن ..... ثم مفاجأة التدخل العربي المسلح لدعم الشرعية وتفاقم الوضع المعيشي والامني تدربجيا اضطر النازحون لاعادة التجربة المريرة بعد اشهر من الاولى .. وكنا ضمن النازحين وتحملنا عشرات الالاف لتغطية نفقات السفر .. ثم تبعات الازمة التي يعيشها الوطن من اصغر طفلة ارهقها جمع الحطب ونقل الماء الى اكبر عجوز اعادتها امامة سيد الكهف الى دخان الخمسينات مذكرا اياها بايام اسلافه التي اصبحت جزءا من ذاكرتها البعيدة القاسية حد المرارة .

# الوجع الثالث :
انه ولدي الذي التحق بالمعهد الاكاديمي واخذ عشر دورات في اللغة الانجليزية وما انفك يسترجع المواد العلمية استعدادا للمنافسة في المنح الدولية المتاحة والتخصصات التنافسية ... وفجأة وجد نفسه بعيدا في القرية .. بعد جغرافي مقدور عليه لو انفرد .. وبعد زمني موحش مفتوح .. وبعد نفسي وعلمي يفرضه واجب الصمود المزعوم الذي لاحيلة سواه ولا فضل فيه لسيد ولا زعيم .

# الوجع الرابع :
وهو الجرح الاعمق .. انه فجيعتي في جيراني واصدقائي وطلابي الذين حولتهم المسيرة القرآنية الى ذئاب بشرية جاهزة لاقتناص اقرب فرصة للنيل من اهلهم وجيرانهم واساتذتهم وزملائهم بتهمة مصطنعة لا تليق بمن لا يمارس الحرب في الجبهات كحد ادنى ان كان ولابد .. تهمة الدعشنة التي اشتغلت عليها ماكينات اعلامية قذرة ايرانية وخليجية كل بطريقته ... نعم تم الاعتداء علي وانا ضيف عند رب جبريل وابيه .. في جمعة القضاء برمضان .... ثم الاعتداء على كل بيوت القرية واطفالها وسكانها برصاص لا عهد لها به الا في الهواء احتفالا في كبريات الاعراس .. ثم الاعتداء بالقتل بدم بارد على خيرة رجال القرية امامها وخطيبها .. لا لشئ الا لتهمة استيقنتها انفسهم ظلما وعلمهم كبارهم ان صاحبها يستحق الموت .. وكلاهما التهمة والجزاء وهم وتضليل واسترخاص للانسان عرضا ودما .

# الوجع الاخير باذن الله :
ان تاخذ حظك من الازمة المعيشية والامنية والنفسية امر لا يشار اليه ، لانك بحاجة الى 30 مليون اصبع لتشير بها لليمني في كل مكان ... ولكن ان تداهمك نازلة مستقلة فهذا يحتاح جرعة صمود جديدة لا تغذيها زوامل السيد ولا هذرمة اليمن اليوم ... فالنازح اكثر ما يشغله هو ترقب الاحداث والتطلع لانتهائها بالشكل الذي يروقه كله او بعضه ... ولكن تخيل انك تسدد الايجار لمنزلك المهجور اول كل شهر .. ثم يتصل بك فجاة صاحب المنزل ان معظم مقتنياتك تعرضت للنهب بكل غرور ووقاحة وصلف ... كيف تتقبل الخبر .. وكيف تنقله لاسرتك التي طفح بها الكيل تنقلا من هنا الى هناك... وكيف لو توقفت الحرب اليوم وحانت العودة .... هل تنهي رحلة النزوح وتقفز في الظلام ام تبدا رحلة ضياع جديدة حتى تعيد تاثيث منزلك عساك تخفف عليك واهلك صدمة الدخول الاول وحديث الذكريات المؤلم مع كل قطعة أثاث مفقودة.

تلك الاوجاع الخمسة الخاصة هي خماسية لصرخة قوية عالية لا اتردد في رفع الصوت بها ... انها صرخة الرفض لحركة هذا صنيعها بمواطن يمني واحد ... ليس هو الاسوأ حظا في هذا الوطن ... فاصغر سباك في تعز او ابسط بنشري في عدن ربما نالهم اضعاف ما لقيت وعانيت ...
هذا كله بعيدا عن الازمة الجمعية و شعارات الوطنية المشكوك فيها تبادليا من كل يمني ذي رأي.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)