احمد عثمان
لاتقبروناش ..لاتقبروناش هذه توسلات طفل من تعز قبل أن يلفظ أنفاسه بقذيفة هاون لم يسبق أن سمعنا مثلها من صغير أو كبير؛ هي صرخة مدوية ووصية ذات دلالات معبرة عن حالة الموت المخيم في المدينة والظلم الوافد بغطرسة وعنجهية أفظع من الموت.
لن نقبرك أيها الصغير كن واثقا من ذلك؛ إطمئن أيها الروح المعبرة عن المدينة فتعز لن تقبرك لقد ولى زمن تدفن فيه أطفالها وشرفها على هذا النحو الذليل
إطمئن فأنت في مدينة قدمت كل شي لتعيد فلسفة الحياة والموت على مقياس الكرامة لا على مساحة الزمن الميت.
سينفذوا وصيتك بالحرف لأنهم لولم يفعلوا لتحولت الوصية الى لعنة تصيبهم أبد الدهر وسيدفنون أحياء ولن يخرجوا من القبر ابدا ..انتبهوا
كان عبدالله المحامي يتوسل للمتحدث أن يسكت عن رواية قصة الطفل (فريد) فهو لم يعد يحتمل سماعها .
أما الامهات فقد انتابهن نحيبٌ لايتوقف خوفا من القبر المفتوح لأطفالهن في الشارع وغرف النوم وأحضان الأمهات
عندماتطلق قذيفة صاروخ من أطراف المدينة وهي حالة متكررة كل ليلة تمر على مساحة طويلة من المدينة فوق الرؤوس والبيوت ويكون لها صوت وصفير مخيف؛
هو صوت موت نهايته القبر
هكذا يفهمها الأطفال؛ والطفل( فريد) شأنه شأن كل أطفال المدينة؛ كان يشاهد قبره الموحش كل لحظة
شاهده في ابن عمه (احمد ) الذي دفن أمامه بعد أن أصيب بطلقة قناص وفي (سمية) بنت خالته ورفيقته في اللعب وهي تدفن أمامه وفي التسعة الأطفال ابناء حارته الذين مزقهم صاروخ و دفنوا نتفا من لحم ودم مرة واحدة أمام عينيه
وفي البقية الباقية من الأطفال والأمهات والأباء الذين يراهم كل يوم يذهبون الى القبر بصورة موحشة وشديدة الإرعاب عند أطفال المدينة
ولم يكن الطفل( فريد) الا معبرا عن هذه الحالة التي تعيشها مدينة تعز ..
حالة يعيشونها كل لحظة وتكسر قلوبهم وتعمل على خلق حالة إضطراب نفسي شديد من الصعب إزالتها
(أمي عادني مشتيش اموت)
قالتها (سلوى ) ذات الثمان سنوات وهي ترتجف في حضن أمها..
على غير عادة أطفال العالم !
حتى حضن الأم لم يعد محل أمان لأطفال تعز الذين يموتون كل يوم ويتوسلون للحياة والأحياء
لاتقبروناش ...
لاتقبروناش ...
لفظ الطفل( فريد) أنفاسه الأخير ة نتيجة شظايا قذيفة مدفع هاون محرم دوليا يتغاظى عنه المجتمع الدولي ويداهن ؟
مات فريد فماذا عن وصيته هل ستقبره المدينة أم تنفذ وصيته للحياة ؟
الواقع أن المدينة كتبت بدمها على تربة( فريد ) هذه العبارة
(لن نقبر ك يافريد ) وستظل قضيتك وإخوانك وكل الشهداء أحياء
لن نقبرك ....
ولن نعطي القتلة (حصانة) بعد اليوم ولن نقتلك مرتين ؟
حتى لو وقف العالم ومجالسه الدوليه ومحافله بكل مالديهم من نفاق وظلم
لن نقبرك يا(فريد)وستبقى حيا ياصغيري
فـ ( تعز) لم تعد بقرة حلوب للقتلة والطامعين
ولا(مدعسة ) لقطاع الطرق.